خطوات نحو تطوير النفس وترقيتها
7 أغسطس, 2024العالم في حاجة إلى وسيط عادل
14 أغسطس, 2024الهجرة المحمدية: من مكة إلى المدينة وبداية عهد جديد
محمد زبير حسن بن نصير الدين الندوي
إن الهجرة المحمدية من مكة إلى المدينة تُعَدُّ واحدة من أهم الأحداث في التاريخ الإسلامي، حيث تمثل بداية عهد جديد في مسيرة الدعوة الإسلامية ونقطة تحول عظيمة في مسار الحضارة الإسلامية.
في مكة، عانى المسلمون الأوائل من اضطهاد قريش وتعذيبهم، فكانوا بحاجة إلى مكان آمن يمارسون فيه شعائرهم الدينية بِحرية. فجاء الحل من الله سبحانه وتعالى بحيث أمر نبيّه – صلى الله عليه وسلم– بالهجرة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة.
بدأت الهجرة بمراحل دقيقة حيث خطط النبي صلى الله عليه وسلم لها بعناية فائقة بحسب ما أمره ربه جل وعلا. واتفق مع صاحبه أبي بكر الصديق رضي الله عنه على الهجرة معاً، واختبئا في غار ثور ثلاثة أيام لتضليل قريش، ثم انطلقا نحو المدينة.
وتعانق كل منهما من المشاق والمصائب ما يفوق الوصف والخيال،ولكن هذه الهجرة العظيمة كانت مليئة بالمعجزات وحاملةً بين جوانبها من الدروس المهمة والعبر الجليلة. ومن أبرز هذه الدروس والأحداث: الاعتماد على الله والتوكل عليه، كما تجلت رحمة النبي وحرصه على سلامة المسلمين حين أمرهم بالهجرة من مكة إلى المدينة.
والهجرة هذه لم تكن مجرد انتقال جغرافي فحسب، بل كانت بداية عهد جديد لبناء دولة إسلامية ذات نظام سياسي منسّقٍ واجتماعي جديد.
وإذا تساءلنا عن العهد الجديد – من بين عهود التاريخ – الذي يستحق من الانسانية أعظم تقدير وإجلال، والذي يجب أن يُذكر فلا يُنسى، والذي يستحق أن يعتبر العهدَ الخالد والخط الفاصل في أدوار التاريخ، وبين عهد وعهد، بل وبين عالم وعالم، فما هو ذلك العهد الجديد؟
واذا تساءلنا عن العهد الجديد الذي تشترك الإنسانيةُ في إجلاله والاحتفال به وإبداء السرور فيه بغض النظَر عن اختلاف طبقاتها، وأممها وشعوبها ونزعاتها وفلسفاتها، لأنه جلب السعادة بعد شقاء طويل، ونهضت فيه الإنسانية بعد عثْرة دامت قروناً. فما هو ذلك العهد؟.
وإذا تساءلنا عن العهد الجديد الذي يمثل بداية العالم الجديد، وفاتحة العهد السعيد، ورمز انتصار الفضيلة على الرذيلة، وقوى الخير على قوى الشر، والعدل والمساواة على الظلم والقسوة، وانتصار الحياة المنظّمة والشريعة الكاملة على شريعة الغابات وقانون العصابات، وانتصار العلم والإيمان على الجاهلية بأوسع معانيها انتصاراً خالداً، فما هو ذلك العهد؟”
وإذا تساءلنا عن أي عهد ولدت فيه تلك القوة النشيطة الجديدة التي تصد الشر والفساد، وتبني مجتمعًا موحّداً ذا إيمان وثيق بالله ورسوله، وفاعلاً للخيرات والحسنات والعمل الصالح والتقوى وخدمة الإنسانية؟قوة مؤلفة من أفضل الرجال، أقلهم تكلفًا وأبرهم قلوبًا وأعمقهم علمًا، يغامرون بحياتهم ورفاهيتهم من أجل سعادة البشرية، وينقذونها من الظلمات إلى النور، ومن عبادة الناس إلى عبادة الله. يتحملون الصعاب والخسائر في سبيل ذلك، يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم، فما هو ذلك العهد؟.
وإذا تساءلنا ما هو العهد الجديد الذي ولدت فيه الأمة العربية، حيث ظهرت لأول مرة على مسرح التاريخ، واستحقت أن تُسمى أمة عربية؟ على حين أنها كانت قبائل متشتتة متناحرة من قبلُ،ولكنها تحولت فجأة إلى أمة تحدد مصير الأمم وتغير اتجاه العالم، فما هو ذلك العهد الجديد؟.
وإذا تساءلنا ما هو العهد الذي تجدد فيه أمل الإنسانية ومستقبلها،وتغلّب فيه التفاؤل على التشاؤم الناتج عن مآسي البشر وأخطائهم، وما هو العهد الذي منح الإنسان فرصة جديدة لإعادة بناء المجتمع على أسس الفضائل والكرامة؟.
فكان الجواب عن كل ما طرح من الأسئلة من غير نزاع ومن غير تردد وبلا شك أنه هو العهد الجديد الذي بدأ بهجرة الرسول – صلى الله عليه وسلم – من مكة إلى المدينة.
منذ تلك الهجرة، تجدد إيمان البشر بالله ووحدانيته بعد فترة طويلة من اليأس. وتمكن الإنسانية من استعادة كرامتها وحقوقها، ومنحت كل ذي حق حقه وحصلت المرأة على ما لها من الحقوق.و بفضل تعاليم محمد صلى الله عليه وسلم، نشأ مجتمع رشيد فاضل يصلح لكل زمان ومكان.
ولا شك في أن الهجرة المحمدية لم تكن مجرد ظهور لمبادئ وتعاليم، بل كانت بداية عهد جديد لأمة متفانية في دعوتها المشرفة والجهاد المقدس، تعيش وفقًا لتوجيهات حكيمة ومتزنة رغم فترات التراجع في ظلمات الفساد. وببركة هذه الهجرة المحمدية، أعز الله العرب بعد الذل، وأغناهم بعد الفقر، وقواهم بعد الضعف، ووحد لغتهم ونشرها في العالم برمّته، حتى أصبحت لغة الدين والعلم في العالم الإسلامي.
هذا هو العالم الجديد الذي ينعم فيه الناس بحرية ومساواة، ويتقدم فيه المدنية. يتمتع العرب فيه بمركز جدير بهم وحياة جديدة في بلاد لا صلة لهم بها إلا عن طريق الإسلام ومحمد عليه السلام، ولا عهد لهم بها إلا بعد الهجرة المحمدية.
وفي نهاية المطاف أودّ أن أقول لكم إنه، يجب علينا أن نحتفي بذكرى هذا الحدث الجليل الذي جسد فجر الأمل وتوحيد الأمة تحت راية الإسلام، مما ألقى بظلاله النيرة على عصور الإسلام.و إن هذه الهجرة لم تكن مجرد تنقل جغرافي، بل كانت رسالة تضمنت بداية عهد جديد للبشرية، حيث أكدت على قيم التضحية والتواصل الحقيقي.