الحج مخيم سنوي للتربية على الطاعة والانضباط في الحياة
17 يوليو, 2022من دروس الهجرة
21 أغسطس, 2022دور السلوك الحسن في كسب القلوب
محمد وثيق الندوي (مدير التحرير)
إذا ألقينا نظرة علي التاريخ الإسلامي وخاصة تاريخ انتشار الدعوة الإسلامية في أرجاء المعمورة كلها،وجدنا الإسلام ينتشر بحسن الخلق، ولين الجانب، وخفض جناح الذل، والصبر والثبات، وتحمل المكروه والأذي، والعفو والصفح، والحلم والأناة، والإعراض عما يغضب، والمحبة والمودة، وطلاقة الوجه والابتسامة في وجه العدو؛ لأن استقبال المدعو بطلاقة الوجه والبِشر والابتسامة الحلوة يجعل الوجوه تنير، والأعصاب ترتاح، والنفوس تطمئن، والقلوب تتفتح علي الخير كما تتفتح الزهور علي لمسات الندي، وإن الحب و الابتسامة لا تكلفان شيئًا؛ ولكنهما تكسبان القلوب والنفوس والعقول، قال شاعر :
بُنَيّ أن البر شيء هين
وجه طليق وكلام لين
وقال آخر:
ولا ينال العلا إلا فتي شرفت
خصاله فأطاع الدهر ما أمرا
فإن الحب والابتسامة وطلاقة الوجه مفتاح كل خير، ومغلاق كل شر، لها مفعولها السحري، وأثرها العجيب، ولا يمكن أن يتجاهل الحب والابتسامة، من يرغب في كسب ودّ الآخرين، والتأثير فيهم، وفتح مغاليق قلوبهم، إن الابتسامة الصادقة تحوِّل الأعداء إلي الأخلاء، وتحلّ محلَّ البغضاء والشحناء والعداء، الصداقةُ والمؤاساة والإخاء، وتجعل من منفصلين متحاربين قلبًا واحدًا، وجسدًا واحدًا إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي” وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ” (فصلت: 34-35).
وبالعكس العبوس، والقطوب، وكلوح الوجه، وشتامة المحيا، والانقباض، والتعنيف، والفظاظة والغلاظة في القول، كلها تنفّر القلوب، وتبعد النفوس، وتمرّد العقول، وتسبب الإكراه والعداوة والنفور: “فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ” (آل عمران:159).
كان رسول الرحمة والمحبة سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم: “دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، ولم يكن فاحشاً ولا متفحشاً، ولا صخاباً ولا فحاشاً، ولا عياباً، ولا مشاحاً، ولا يجزي السئية بالسئية، ولكن يعفو ويصفح، ويحترس من الناس من غير أن يطوي علي أحد منهم بشره، ولا خلقه، ومن سأله حاجته لم يرده إلا بها أو بميسور من القول، قد وسع الناس بسطه وخلقه فصار لهم أباً وصاروا عنده في الحق سواء، ويصبر للغريب علي الجفوة في منطقه، ومسألته ، وكان أجود الناس صدراً، وأصدقهم لهجة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشيرة، يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنه: ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان لا يحدث حديثاً إلا تبسم، وكان من أضحك الناس، وأطيبهم نفساً، ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً، كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه، في شيء قط، إلا أن تنتهك حرمة الله، فينتقم لله تعالي ” .
وكان الرسول صلي الله عليه وسلم يحث أصحابه علي الرفق والحب واللين في الحياة: فقال صلى الله عليه وسلم: “إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه”، وقال: “إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي علي الرفق ما لا يعطي علي العنف، وما لا يعطي علي سواه”، وقال: “يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا”، وقال: من يحرم الرفق يحرم الخير كله”، قال رجل للرسول صلى الله عليه وسلم :أوصيني، قال صلى الله عليه وسلم: “لا تغضب، فردد مراراً، قال لا تغضب”، وقال: ” ألا أخبركم بمن يحرم علي النار أو بمن تحرم عليه النار؟. تحرم علي كل قريب هين لين سهل” .
وإن الحب والابتسامة إكسير يذوب فيه الحقد والضغينة، كما يذوب الملح في الماء، وعصا سحرية تسحر القلوب المتحجرة والأفئدة الجافة، والطبائع المتمردة العاصية والنفوس الجاحدة القاسية، وفي العصر المادي الجامح الذي نعيشه، نحن بأمس حاجة إلي هذا الاكسير ، ولا يمكن للداعية أن يقوم بالعمل الدعوي بين الناس وقلبه لم يذق حلاوة الحب، ويحلو لي أن أنقل ما كتبه فقيد الدعوة الإسلامية الكاتب الإسلامي القدير محمد الحسني ـ رحمه الله ـ في إحدي مقالاته :
” إن المنطق والقانون لا يجذبان القلوب، ولا يقنعان الوجدان، إنهما يهزمان الرجل ويصرعانه، وربما يحدثان فيه بعض النقمة وبعض الحقد والضغينة، تجاه هذه الدعوة، إنما الشيء الذي تنجذب إليه القلوب كالمقناطيس، وتهوي إليه الأفئدة، ويخضع له الجبابرة، يلين به القساة، والعصاة، الغلاظ الشداد، فهو الحب والإخلاص”.
وكتب الأستاذ محمد قطب :” لا يكفي المال وحده لتأليف القلوب، ولا تكفي التنظيمات الاقتصادية لتعديل الأوضاع المادية، لابد أن يشملها ويغلفها ذلك الروح الشفيف، المستمد من روح الله، ألا هو الحب، الحب الذي يطلق البسمة من القلوب، فينشرح لها الصدر، وتنفرج القسمات فيلقي الإنسان أخاه بوجه طليق”.
وقال الشاعر:
هشت لك الدنيا فمالك واجم
وتبسمت فعلام لا تتبسم
إن كنت مكتئبًا لعز قد مضي
هيهات يرجعه إليك تندّم
وإن كانت هناك منكرات تحتاج إلي قوة وحزم، ولكن في أحيان كثيرة لا ينفع إلا الحب والابتسامة وطلاقة الوجه، وإذا اتصلت برجل وتحدثت معه وأقنعته بدلائل قوية، وشرحت القضية شرحًا وافيًا، وقلبك جاف، غليظ، ولسانك قاطع كالسيف، وكلماتك نابية حادة كالسهام المسمومة ووجهك كالح عبوس، أبعدته عن الهدف، وملأت قلبه غيظًا ونفورًا، ولولم يستطع أن يرد عليك جوابًا. وبالعكس من ذلك إذا كان قلبك عامرًا بالحب والرفق والحنو والعطف، وتعلو شفتيك ابتسامة حلوة حانية، كسبت قلبه وقربته إلي الهدف،وقصة عمر بن الخطاب والوليد بن المغيرة وغيرهما خير شاهد علي ذلك.
فيجب علي العاملين في حقل الدعوة والعمل الإسلامي أن يتصفوا بالحب والابتسامة إذا أرادوا التأثير في القلوب والنفوس، والحب الخالص والابتسامة الصادقة ، لا الحب الكاذب، والابتسامة المصطنعة، وإن الحياة المعاصرة التي أصبحت جحيماً لا تطاق بتأثير الحضارة المادية الجامحة تحن إلي هذا الحب والابتسامة كما تحن الأرض المجدبة إلي قطرة من الماء، وإن ما يعترض اليوم العمل الإسلامي من مشكلات وعقبات، مرجعه إلي عدم العناية بالحب والابتسامة الحلوة، والاستهانة بأهميتهما وضرورتهما للمجتمع الإنساني الذي يعاني الشقاء وفقدان الرحمة والعطف، وما أحوجنا اليوم إلي هذا العنصر.