عاصفتان في دلهي (1)
26 يونيو, 2022عاصفتان في دلهي (2/الأخيرة)
17 يوليو, 2022منهج الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي في الفكر والدعوة (8)
الشيخ بلال عبد الحي الحسني الندوي
التعريب: محمد خالد الباندوي الندوي
ويرى الشيخ الندوي أن جماعة التبليغ تحتاج أيضًا إلى بعض تعديلات جذرية وإصلاحات مهمة في منهاجها الدعوي، فأشار على المسؤولين عن الجماعة أن يأتوا بتغييرات ضرورية في المنهج، ولكن لما شعر الشيخ الندوي بأنهم لا يرتاحون إليه لبعض ما يشعرون به من المخاوف ولا يرضون به، فعكف على عمل الدعوة وبث الفكرة الإسلامية بأسلوب يراه يلائم الظروف، ومنهج يستسيغه الذوق المعاصر، وظل يوجه عناية الدعاة والعاملين في حقل الدعوة إلى اتخاذ الخطوات الملائمة لطبيعة العصر،ويسلك في ذلك مسلك الاعتراف بما قامت به الجماعة من دور رائع ملموس في إصلاح النفوس وتغيير البيئة، ثم يبين ما طرأ من القصور في المنهج والطريقة، ويرشد إلى ما تحتاج إليه من الأمور اللازمة لتنشيط عمل الدعوة.
وقد سنحت له في بريطانيا فرصة طيبة لزيارة بعض المدارس الدينية التي تتبع المنهج النظامي للتدريس وزيارة مركز جماعة التبليغ والجماعة الإسلامية، فأشاد بما لعب كل منها في إيقاظ الشعور الإسلامي وبث الوعي الديني في النفوس بجانب توجيه العناية إلى إصلاح منهج الدعوة وطريقة العمل الدعوي وإدخال بعض التعديلات الضرورية المفيدة للجماعات والمدارس.
يلقي فضيلة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي ضوءًا كاشفًا على منهجه النقدي الهادئ المتزن بأسلوب بليغ
” زرنا في بريطانيا مدرسة دينية عظيمة كانت تتبع المدارس الدينية القديمة في الهند في منهاجها الدراسي وطريقة التدريس، لا تخرج عن التقليد والمحاكاة في شيء، ولا تراعي الظروف والبيئة وطبائع الناشئة الجديدة، فقام الشيخ هناك بخطاب قيم وأبرز أمام القائمين عليها ما للمدارس من المميزات المهمة والمسئوليات العظيمة، وهنأهم على تضحياتهم وأوصافهم التي يتصفون بها،وأكد عليهم أن يضعوا نصب أعينهم مقتضيات الدعوة الإسلامية التي لابد من القيام بها في بيئة البلاد، ولايتغافلوا عنها ولو للحظة واحدة. وذلك لأن العامل في حقل الدعوة يلزمه أن يكون مطلعا على طبائع المخاطبين وأحوالهم ولغتهم التي ينطقون بها تركيزا كلياً حتى يقوم بعمل الدعوة فيما بينهم على أحسن طريق،ويزيل عما طرأ على الجيل الجديد من الشكوك والشبهات، فلابد من وضع المقررات الدراسية حسب طبائعهم وعقولهم، ولا بد من التعديل في النظام التعليمي السائد وفق ما تقتضيه الظروف،وإذاسارت مدرستكم هذه على غرار المدارس النظامية وبقيت مقلدة لها في كل شأن من شؤونها،لم يكن لها فضل على مثلها من المدارس المتواجدة في الهند”.
وقد زار سماحة الشيخ الندوي مركزا اسلاميا يعمل في حقل الدعوة والإرشاد،وله جهود ملموسة في نشر الفكر الإسلامي، وكان لهذا المركز الإسلامي منهج خاص للدعوة وطابع خاص للفكر إلا أنه كان ينقصه الاعتداد بشخصيته والاعتزاز بما يقوم به في مجال الدعوة والارشاد من الجهود، فأشاد الشيخ الندوي بجهوده الدعوية بجانب لفت الأنظارإلى أن الإصرار على منهج معين لخدمة الدين ليحدث خللا، ويفقد تأثيره على النفوس، بل لابد من الانطلاق الفكري ورحابة الصدر في القيام بفريضة الدعوة، أينما يقوم أفراد الأمة بالعمل الدعوي والفكر- بأي شكل كان – بإخلاص النية لنقدّره وننوه به، ونستفيد منه إذا أمكن.
وكذا زار الشيخ الندوي مركزا آخر يقوم بالعمل الإصلاحي فيما بين العامة، وهو بمثابة المركز الأساسي للدعوة والفكر في تلك المنطقة، فاستلفت الشيخ الندوي انتباهات القائمين عليه منوها بخدماتهم في مجال الفكر الإسلامي إلى أن أهم ما تفتقر إليه ناشئة البيئة الغربية هو تثقيفها بالثقافة الإسلامية وتزويدها بالفكرة الإسلامية، فيجب علينا تركيز الجهود على إنشاء حركة التعليم المتسمة بالمميزات الإسلامية الهادفة إلى الأغراض النبيلة والمقاصد الجليلة، ولو لم نراع ذلك،وبقينا خاضعين للنظام التعليمي السائد في كل طور من أطواره،ورأينا فيه غنى وكفاية ليعود ذلك بخسائر فادحة. ولا غرابة حينئذ إذا رأينا والداً يبيت ليله أمام ربه خاشعا، وعيناه تذرفان بالدموع بمااقترفه من المعاصي بينما نرى ولده يتأثر بما حوله من البيئة المناوئة للإسلام ويحمل الأفكار الملحدة التي لا تبقي ولا تذر،ليس له من الإسلام في شيء، قلبه يخلو من العاطفة والحب، وعقله يحرم العقائد والثوابت الإسلامية، فيتبع غير سبيل ابيه،يكون فكره معوجا، وذهنه منحرفا غير سليم، وذلك لأن أذهان الجيل الجديد تنعكس فيها -طبعا- آثار ما حوله من البيئات العلمية والفكرية”.(الشيخ السيد أبو الحسن على الحسني الندوي شخصية صنعت التاريخ:279/280)
موقف الشيخ الندوي من السياسة:
وكان الشيخ الندوي لا يعتبر السياسة شجرة يمنع من التقرب إليها، ولايعتبرها محظورة في الشريعة إلا أنه يرى أن السياسة لا تجدي نفعا في إصلاح المجتمع وتغيير الظروف، ويرى أن الخوض في الأنشطة السياسية لا يثمر ولا يغني من جوع، فمهما مست الحاجة إلى هذا الجانب، لم يهمل في إرشاد القادة المسلمين في مجال السياسة إلى الإصلاح وإزالة الفساد،وفي عهد الرئيسة انديرا غاندي لما اشتد الخناق على المواطنين في الهند عامة وعلى المسلمين خاصة حتى تسرب إلى قلوبهم الخور وفتور العزيمة ورضوا بالخضوع الكامل لحزب المؤتمر الوطني، قام الشيخ الندوي يشعل الحماس والغيرة في قلوبهم ويشكل الكوادر من رجال السياسة المسلمين لملأ الفراغ السياسي وتشكيل جبهة الاتحاد السياسي لصلاح الأمة المسلمة في الهند،فأنشأ حركة سياسية باسم “مسلم مجلس” برياسة الطبيب عبد الجليل فريدي،وقد أثبت المجلس جدارته وأهميته في الحقل السياسي حيث عقد تحالفا سياسيا مع الأحزاب السياسية الأخرى،مما أسفر عن هزيمة المؤتمر الوطني، وشعر المسلمون حينذاك بقيمتهم السياسية، ولكن الشيخ الندوي عرف باتصالاتهم مع رجال السياسة وإلمامهم بأمورها أن أي حزب من الأحزاب السياسية المسلمة لا تظفر بالأغلبية وحدها وربما يأتي بنتائج وخيمة من تجميع صفوف الأغلبية الهندوسية وإثارة العصبية الدينية، وإن اتحاد الأغلبية -لا شك -يشكل خطرًا على الأقلية المسلمة.(يتبع)