بين ابن الملك والعجوز

كفران النعمة
8 يونيو, 2021
السلطان الذي رفضت شهادته
17 أغسطس, 2021

بين ابن الملك والعجوز

أخي العزيز

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هل تعرف -أيها الأخ – السلطان فيروز الشاه تغلق، انه سلطان مسلم حكم سلطنة دلهي في الفترة ما بين 1351- 1388م من سلالة آل تغلق التي حكمت في الفترة ما بين 1320-1414م.

كان للسلطان ولد صالح ذكي سماه أبوه فتح خان وكان الولد بصلاحه وذكائه المفرط وذهنه الثاقب ولوعا بالكتب ومغرما بالحصول على العلم، وكان يختلف تماما عن أقرانه الذين يظلون سحابة نهارهم منشغلين باللهو واللعب ويبيتون سواد لياليهم متجاذبين أطراف الحديث، وأما فتح خان فإنه كان منقطعا عن أعمال قرنائه إلى دراسة الكتب ليل نهار، فاكتسب حب الأساتذة  الذين أحلوه مكانا كريما، وبذلوا له عنايتهم فحصل الولد في مدة وجيزة على علم غزير  وأدب جزيل .

كان فتح خان في الثانية أو الثالثة من عمره إذ قصد أبوه بنغال لبعض الأمور الحكومية فاستصحب ولده فتح خان مع جنده واستمر فتح خان في أثناء قيامه في بنغال عاكفا على مطالعة الكتب مكبا عليها، يخرج بنفسه من مقره إلى الاستاذ ويتتلمذ بين يديه

وذات ظهيرة أراد الانصراف بعد ما أتم وظيفته اليومية من الدرس لأخذ شيئ من الإجمام والراحة وقد غلبه التعب وأرهقه طول الجلوس بين يدي الأستاذ فلما كان في منتصف الطريق إلى قصره لقيته امرأة عجوز وقد حالت دون طريقه مستغيثة، فسألها عن حالها وما ألم بها فأخبرته بأن زوجها وابنا لها كانا قادمين من “سناركاؤن” ببعض أمواله التجارية، إذ هجم عليهما قطاع الطريق فسلبوهما أموالهما وفروا إلى حيث لا يعلمه إلا الله، فلما دنا هذان المسلوبان من جنود الملك وهما يرجوان من أبيك ملك هذه البلاد النصرة والغياث، فألقت عليهما الجنود القبض وحبسوهما في السجن اتهاما بالقيام بعملية التجسس، والله إنهما من التهمة بريئان، فأنشدك بالله أن ترحم حالي وتغيثني في مثل هذه المصيبة الفاجعة”.

أحزن فتح خان ما ذكرته العجوز من حالها وقال -وقد ذرفت الدموع من وجنتيه -: يا أماه! إن أنت صادقة فيما تقول فأتي بشاهدين يشهدان لك بأن زوجك وابنك بريئان من التهمة. فأجابت العجوز يا بني! الشهود عندي كثير، وأنا قادرة على الإتيان بهم ولكني أظن أنني إذا غادرتك إليهم أدعوهم تدخل أنت في القصر وأنا لا أقدر على المثول بين يدي أبيك في قصره، ولا أنت تشفع لي في المثول بين يديه.

فقال لها ابن الملك وقد بدرت الابتسامة من وجهه: أذهبي إلى حيث تريدين وائتي بالشهود وأنا في مكاني هذا أنتظرك لا أدخل القصر.

فلما سمعت العجوز ما قال، انصرفت وبقي ابن الملك ينتظرها بفارغ الصبر فقال له خدمه: أدخل القصر أوالتفت إلى ظل شجرة قريبة منك فإنك في حر الشمس المتوهجة، والسماء تمطر نارا، فلم يرض به ابن الملك وقال: قد وعدت العجوز بالوقوف في هذا المكان،ولن أخل بالوعد حتى ترجع بالشهود، فمكث ابن الملك في الشمس الحارة طويلا وقد رجعت بالشهود فسمع شهادتهم ولما أيقن أن العجوز صادقة في قولها دخل القصر وقصد أباه فوجده نائما، فوقف ينتظر قائما وأطال الانتظار فلما استيقظ الملك قص عليه قصة العجوز وزوجها وابنها، فأمر الملك بإطلاق سراحهما، ثم أعطاها ابن الملك مالا كثيرا لكي تستعين على بعض ما رزئت في زوجها وابنها من القبض والحبس وودعته العجوز وقد ارتسمت على محياها علائم الشكر وملامح السرور وقد دعت له بطول السلامة والصحة.

وقد استغرق كل ذلك كثيرا من أوقات ابن الملك، حتى نسي غداء ذلك اليوم وترك راحته وقد كان متعبا مجهودا لاغبا ولكنه قال: نصرة المظلوم قد أدخلت في قلبي السرور الذي ما وجدته في النوم الهنيئ ولا في المآكل الشهية.

فاعلم يا أخي أن اللذة في نصرة المستغيث لا تعادلها لذة أخرى في العالم.

(محمد خالد الباندوي الندوي)

×