الحسد

عاصفة يواجهها العالم الإسلامي والعربي
30 يوليو, 2020
لا تغيِّروا تاريخ البلاد!
30 يوليو, 2020

الحسد

إن الحسد داء نفسي خطير، تتجلى حقيقته في تمنى المرأ زوال نعم الغير من صاحبها سواء كانت دينية أو دنيوية أو معنوية مثلاً إن الله سبحانه وتعالى أكرم عبداً بالثروة والغنى أو الحسن والجمال أو الجاه والشهرة أو العزة والمكانة أو الشرف والأولاد أو الصحة أو الاحترام والتقدير في المجتمع والعلم والمعرفة، وهناك شخص آخر يصيبه حزن وهم وكره وقلق بأنه لماذا حصل على هذه النعمة؟ وتنشأ في قلبه رغبة في أن لو سلبت منه هذه النعمة لكان أفضل وأحسن، وإذا جاء شيء ضده يفرح به وإذا حصل له رقي وتقدم أمامه يصيبه الحزن والهم لماذا تقدم هذا؟ هذا هو الحسد.

إن الحسد أساس كل عداوة وأصل كل إثم وخطيئة، وباعث كل ندامة وملامة، ورأس كل بلية وجالب كل مصيبة(1).

إن الحسد جرح لا يرجى الشفاء منه، وهو باب للقلب يدخل منه الشيطان في قلب الحاسد، وهو من الأخلاق السيئة، ويدل على الجحود لنعم الله عز وجل والتمرد على قضائه، وتتمثل فيه أبشع صور الأثرة والحقد والكراهية للمنعمين من الناس، ولذلك حرمه الإسلام وذمه أشد الذم، الحاسد يعترض على قضاء الله وقدره، وينقد على حكمه “فالحسد مذموم ومنهي عنه لأن فيه تسفيه الحق سبحانه وتعالى بالاعتراض على حكمه وحكمته فيما قضى وقدر، وإنه أنعم على من لا يستحق، وفيه كذلك إساءة لعباد الله بتمني الشر لهم قولاً وفعلاً (“تنوير القلوب للعلامة أمين الكردي ص:461، وتفسير القرطبي سورة البقرة عند الآية:109، حسداً من عند أنفسهم) ويسخط من العباد ويسيء إلى أنفسهم كما يقول الإمام الغزالي في إحياء الدين: الحسد يفسد الدين ومن الكبائر وأساس البغض، إن الله عز وجل ونبيه الكريم قد أمرا بالاستعاذة منه والتأكيد على الاجتناب عنه.

قال الله عز وجل: “قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ” [الفلق:1-5]، قد أمر الله في هذه السورة الاستعاذة عن جميع الأشياء الموجودة فيها، وهذا أن دل على شيء فإنه يدل على أن جميع الأشياء الموجودة في السورة سيئة، وختم هذه السورة بالحسد، فيها إشارة بأن الحسد أسوأ الأشياء القبيحة وأشدها قبحاً، وقال في سورة أخرى “وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ” [البقرة:109]، وقال في سورة النساء “أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ” [الآية:54].

وقال أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، وعن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخواناً فلا يحل لمسلم يهجر أخاه فوق ثلاث، وقال النبي صلى الله عليه وسلم إن لنعم الله أعداءاً قيل من هم يا رسول الله قال الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله (درة الناصحين للخويري، ص:70) وقال النبي صلى الله عيه وسلم: ثلاث لم تسلم منها هذه الأمة (1)الحسد (2)الظن (3)الطيرة، وقال معاوية: كل الناس أقدر على رضاه إلا حاسد نعمة فإنه لا يرضيه إلا زوالها ولذلك قيل.

كل العداوات قد ترجى إماتتها

إلا عداوة من عاداك من حسد.

والإمام الشافعي يقول:

داريت كل الناس لكن حاسدي

مداراته عزت وعزمنا لها

وكيف يداري المرأ حاسد نعمة

إذا كان لا يرضيه إلا زوالها

قال الإمام الغزالي في الإحياء: “لو كشفت بحالك في يقظة أو منام لرأيت نفسك أيها الحاسد في صورة من يرمى سهماً إلى عدوه ليصيب مقتله فلا يصيبه بل يرجع إلى حدقته اليمنى فيقلعها فيزيد غضبه فيعود ثانية فيرمى أشد من الأولى فيرجع إلى عينيه الأخرى فيعميها فيزداد عظيمة فيعود ثالثة على رأسه فيشجه وعدوه سالم في كل حال وهو إليه راجع مرة أخرى وأعداء حوله يفرحون به ويضحكون عليه هذا حال الحسود وسخرية الشيطان منه.

وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى “وما رأيت ظالماً أشبه بمظلموم من حاسد نفس دائم وحزن لازم وقلب هائم وعبرة لا تنفد.

وقال الأصمعي: قلت لأعرابي ما أطول عمرك قال تركت الحسد فبقيت.

وقال الشاعر:

تضفو على المحسود نعمة ربه

ويذوب من كمد فؤاد الحاسد

وقال شاعر آخر:

إذا أراد الله نشر فضيلة

طويت أتاح لها لسان حسود

الهوامش:

(1) من كتاب الذخائر والعلائق للباهلي ص:142، نقلاً عن شفاء الحاسد والمحسود لمحمد زهير الحريري، ص:167.

 

(محمد قيصر حسين الندوي)

×