اغتصاب العقول

المساواة ومكافحة العنصرية بين الدعاية والواقع
28 يونيو, 2020
الوحدة الإسلامية هي المخرج الوحيد من وضع الذل والمهانة
14 سبتمبر, 2020

اغتصاب العقول

من يتابع مسار الأحداث والوقائع في البلد، والمواقف التي يتخذها الزعماء وقادة الفكر والسياسة المستولون على مقاليد الحكم، وعلى وسائل النفوذ والتنفيذ، ووسائل الإعلام، والقضاء، نحو هذه الأحداث والوقائع، يجد تناقضات غريبة؛ يصعب الربط بينها أو التوفيق،أوالترتيب والاستنتاج، فتبقى في أذهان من يطلع عليها أسئلة يحار في الوصول إلى أجوبتها،أو إلى ما يزيل الشكوك والشبهات.

وقد اختار الحكام والقادة في الهند بعد الاستقلال هذه السياسة المتناقضة والمزدوجة،فظل لهم معياران: معيار للتعامل مع الهندوس، ومعيار للتعامل مع غير الهندوس وخاصة المسلمين،وقد حاولوا تشويه الوجه المشرق للإسلام والمسلمين، وإيقافهم في قفص الاتهام، فوجهوا اهتمامهم إلى التاريخ، وظهر عدد من الكتاب والمفكرين طمسوا معالم التاريخ الإسلامي ببحوثهم وتحقيقاتهم،وألفوا كتبًا محتوية على مواد سامة حول تاريخ الهند، وأدرجت هذه الكتب المضللة في المدارس الرسمية، كما ألَّف الكتاب من غير المسلمين كتباً ثقافية تحبِّب إلى النفوس الديانة الهندوسية بذكر آلهتهم وتقديسهم وتقديس تقاليدهم،وفرض التحية للشمس في المدارس وإنشاد أناشيد وثنية لدى الصباح، وأخيراً أفادت الصحف عن ولاية غجرات التي يحكمها حزب بي جي بي،أنه لابدَّ من إنشاد كمات وثنية لدى فتح المتاجر في الصباح وإغلاقها في المساء كل يوم .

وتبذل الآن جهود لكتابة تاريخ جديد للهند،ولوضع مقررات دراسية سامة لاغتصاب العقول الناشئة، كما فعل المستعمرون،وقد تصاعد هذا الاتجاه منذ وصول حزب بي جي بي وهو الجناح الساسي للمنظمة الهندوسية آر أيس أيس، إلى مقاليد الحكم في البلد، فقد أفادت الصحف الصادرة في التاسع من شهر يوليو 2020م بأن الهيئة المركزية للتعليم الثانوي قد حذفت من المقررات الدراسية مواد “الحقوق الجمهورية” و”العلمانية” و”المواطنة” و”الوئام الوطني”، وكانت الهيئة أعلنت بأنها تقلل ثلاثين في المائة من المواد المقررة للمرحلة الثانوية بالنظر إلى وباء كورونا المستجد، ولكن حذف هذه المواد والفصول يبعث على الشكوك، ويثير الشبهات، فإن الهيئة المركزية قد حذفت من مادة “علم السياسة” فصل الوئام الوطني، والمواطنة، والحب للوطن، والعلمانية بصرة كاملة،كما حذفت من باب “جهاز الحكم المحلي” فصل “لماذا الحكم المحلي؟” و”تنمية الحكم المحلي”، وحذفت من مادة علم السياسة المقررة للصف الثاني عشر: الأمن في العصر الراهن، والبيئة والثروات الطبيعية، والحركات الاجتماعية الجديدة في الهند،والرغبات الإقليمية كاملاً، كما قامت بحذف فصل “الحقوق الجمهورية” وفصل “أجهزة الدستور الهندي” بشكل كامل من مادة علم السياسة المقررة للصف التاسع،وكذلك حذفت من مادة علم السياسة المقررة للصف العاشر الديمقراطية والوحدة في التنوع، والتحديات التي تواجهها الديانة والنسل والديمقراطية.

فإن المواد المحذوفة مهمة للغاية لفهم معاني الديمقراطية والعلمانية والوحدة في التنوع وهي مميزات الدستور الهندي.

وبجنب هذا الخطر لتغيير أذهان الطلبة واغتصاب عقول الناشئة،هناك بيانات وتصريحات استفزازية يطلقها المتشددون من الهندوس ضد الإسلام والمسلمين، تهدد بإعادة المسلمين إلى الديانة الهندوسية قسراً، فنشأ بذلك في نفوس أصحاب العلم والفن والفكر الخوف من مصير البلاد ومصير الأقليات، وفيهم قانونيون وسياسيون ومعلمون وعاملون في مجال الخدمة الاجتماعية من المسلمين وغير المسلمين، ورفعوا أصواتهم ضد الإجراء الأخير، فقد أثار المستر “كرشنا كمار” المدير الأسبق للهيئة المركزية للتعليم الثانوي أسئلة حول هذا الإجراء، وقال: إن هذا الإجراء يسلب من الطلبة حق القراءة والفهم،وأثار شكوكًا حول نية الهيئة في حذف المواد من المنهج المقرر للتعليم الثانوي،وقال: كيف يمكن تدريس مادة القانون بدون فصل الوفاق؟، كما لا يمكن دراسة التاريخ بدون ذكر الحركات الاجتماعية وكيف يكون؟ لأن التاريخ ينشأ من الحركة الاجتماعبة،كما أن هذا الإجراء يتعارض مع روح الدستور الهندي الذي يدعو إلى احترام الأديان كلها ورعاية حقوق الأقليات ولغاتها وثقافتها ومعتقداتها، ويمنح كل مواطن حرية العمل حسب العقيدة.

إن هناك حاجة ماسة إلى معالجة ما يعانيه السكان بجراء فيروس كورونا المستجد، من فقر وخوف ونقص في الأموال والمواد الغذائية،والآليات الطبية، وتتفاقم الإصابات كل يوم، كما يتصاعد اتجاه الجرائم من سفك للدماء وقتل للناس في المواجهات البوليسية المزعومة،ويختل نظام الأمن، ويساور النفوسَ الخوفُ، ولكن الحكومة لا تهتم بهذا الاتجاه الخطير، بل تبدو عاجزة عن التغلب على الأوضاع، ولكنها منكبة على تحقيق أغراضها ومصالحها السياسية مستغلة وباء كورونا المستجد، وتتخذ إجراءات لاغتيال العقول،عبر إجراء تعديلات في المقررات الدراسية، وإعداد كتب دراسية تسمم الأذهان، وتثير العداوة والكراهية في القلوب والنفوس،وتجعل الدراسين غافلين عن تاريخ بلادهم، وتغرس في أذهانهم تصورًا خاطئًا عن دستور البلد العلماني،والديمقراطية،وإن هذه السياسة تشبه سياسة الاستعمار البريطاني.

يحكى أن السفير والقنصل البريطاني كانا يمرّان بالسيارة في نيو دلهي عاصمة الهند، وفجأة رأيا شابًّا هنديًا جامعيًّا يركل بقرة برجله.. فأمر السفير السائق بأن يتوقف بسرعة، وترجَّل السفير من السيارة مسرعًا نحو البقرة “المقدسة”، يدفع عنها ذلك الشاب صارخًا في وجهه، ويمسح على جسدها طلبًا للصفح والمغفرة وسط دهشة المارة الذين اجتمعوا بعد صراخ السفير، ووسط ذهول الحاضرين، ثم اغتسل السفير البريطاني ببول البقرة ومسح به وجهه، فما كان من المارة إلا أن سجدوا للبقرة التي سجد لها الغريب،ثم بعد ذلك أحضروا الشاب الذي ركل البقرة ليسحقوه أمام البقرة انتقامًا لقدسية مقامها ورفعة جلالها، ثم عاد السفير الى سيارته بربطته وقميصه المبلل ببول البقرة وشعره المنثور… عاد السفير ليركب سيارة السفارة، إلى جانب القنصل الذي بادره بالسؤال عن سبب ما فعله، وهل هو مقتنع حقًّا بعقيدة عبادة البقر؟.

فأجاب السفير إجابة تعكس عبقرية الطغيان على العقول ، حيث قال: إن قيام الشاب بركل البقرة هو صحوة للعقول،و ركلة للعقيدة الهشة التي نريدها أن تستمر،ولو سمحنا للهنود بركل العقائد لتقدمت الهند خمسين عامًا إلى الأمام، حينئذ سنخسر وجودنا ومصالحنا الحيوية، فواجبنا الوظيفي هنا أن لا نسمح بذلك أبداً، لأننا ندرك بأن الجهل والخرافة والتعصب الديني والمذهبي وسفاهة العقيدة، هي جيوشنا التي نعتمد عليها في تسخير المجتمعات.

فهل نعرف لماذا يدعم الحكام الجهل والخرافة، والتعصب الديني والمذهبي، ويتخذون قرارات وإجراءات تجعل الشعب غافلا عما يريدونه ويخططون له، هذا هو فن اغتصاب العقول.

فقد كان من الأرجحيات والواقع بالنسبة إلى الحكام اتخاذ إجراءات رادعة للأوضاع المتردية،وكذلك إصلاح ما فسد في مجال الأمن والسلامة وحقوق الإنسان والاقتصاد والتعليم، وعلى عكس ذلك يقوم النظام الحاكم باتخاذ إجراءات تعكر جوّ الأمن والسلام والوئام والانسجام الطائفي في البلد، وأسوأ من ذلك إحداث اضطراب اقتصادي وسياسي في البلد كما تدل عليه التقارير الصحفية،فقد عم الخوف والذعر في البلاد، ويخشى أن يحدث انفصال أوحرب أهلية.

مدير التحرير (محمد وثيق الندوي)

×