“الحديقة” وجامعها “محب الدين الخطيب”

الدكتور أحمد أمين وأشهر أعماله العلمية والتاريخية والأدبية (2)
14 مارس, 2024
ستظل ذكراك خالدةً في قلوبنا
17 مارس, 2024

“الحديقة” وجامعها “محب الدين الخطيب”

كتبه/ د. أبو سحبان روح القدس الندوي

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

وبعد، فإن المكتبة المركزية لندوة العلماء بلكناؤ، المنسوبة إلى العلامة شبلي النعماني ذو أربعة طوابق، وفي كل طابق قاعات صغيرة وكبيرة، تستخدم لعدة أغراض من فصل دراسي، ومحل اجتماعات وجلسات طارئة، وقاعات امتحان…. وما إليها.

أما الطابق الأرضي (Ground Floor) فيضم مكتبًا لعميد كلية الشريعة وأصول الدين، وفصلاً كبيرً للسنة المختصة للدراسات العليا تسمى حاليًا “تكميل” يلتحق بها المتخرج في مرحلة “العالمية” من كليتي الشريعة والدعوة، ويدرس الملتحقون بها نصوصًا حديثية من كتب السنة وكتاب “حجّة الله البالغة” للدهلوي.

أما الطابق الأول (First Floor) فهو خاص للمكتبة الحافلة من المطبوعات، ومكاتب لأمين المكتبة والمسؤولين الآخرين من الإداريين وغيرهم، وعدة أجنحة للدارسين من الطلبة والمدرسين، وغرفة لتجليد الكتب وإصلاحها.

أما الطابق الثاني (Second Floor) فهو مختص لنوادر المخطوطات، والجرائد القديمة والحديثة في مختلف اللغات وغرفة لاختزان أسماء الكتب وتفاصليها، وإدخالها في الكمبيوتر. يعمل في هذا المختبر عدد من المتخصصين في حقل الكمبيوتر.

أما الطابق الثالث (Third Floor) فيُستخدم جناح منه كمستودع للكتب المكرّرة والمقرّرات الدراسية، وجناح آخر لقاعة الامتحانات.

أما الدور الرابع (Fourth Floor) من مبنى المكتبة فأنشئ فيه قسم التخصص في المواد الأربعة من علوم التفسير والحديث والفقه والدعوة.

يتضمن هذا القسم مكتبة شاملة ومتميّزة، ومكاتب للمشرفين على الأقسام وغرفة للمسئول عن إخراج الرسائل الجامعية المتقدمة عبر السنين وطبعها، ودورات المياه، ومقصفًا (Cafeteria) وساحة واسعة مكشوفة تحت أديم السماء.

ولنا عود إلى التعريف بالمكتبة نشأتها وتطورها عبر الزمان بقلم بعض الفضلاء إن شاء الله.

هذا، وكنت أحد المراقبين مع بعض الزملاء على جزء من قاعة الامتحان في الدور الثالث من مبنى المكتبة، وفي ناحية منه يوجد ركام من الكتب القديمة والمكرّرة، مغطّىً من الغبار الكثيف.

وإني حاولت كلّ يوم عند المرور عليه الفحص عن هذه الكتب وتقليبها… ولكن الغبار المتراكم على الكتب كان يحذّرني من مسّها، خوفًا من لحوق مرض الحسّاسيّة (Allergy)، ولم أصبر على تحقيق رغبتي المنشودة، فخضت غمرات لعلّها تصيبني الحسّاسية المتوقعة، إذ لمست يدي الخائفة المترقبة كتابًا صغير الحجم مكتوبًا على رأسه “مكتبة الجيب” (Pocket Library) واسمه “الحديقة” فهي “مجموعة أدب بارع، وحكمة بالغة، وتهذيب قوميّ” كذا مكتوب على غلافها.

أما تصويرها الباعث على ورودها والاستمتاع بها فقد جاء فيما كتب مصوّرها، الذي جمعها:

“فإني كثيرًا ما تمرّ بي – وأنا أطالع صحيفة سيارة، أو كتابًا لم يعمّ انتشاره في أيدي جماهير الأمة – قطعة جليلة من شعر متخير، أو جملة بديعة من نثر مصطفى، أو كلمة ذات روعة من حكمة جرت بها حقائق الحياة على لسان الرجل البليغ؛ فأتمنى لو يكون ذلك مجموعًا في كتاب قريب التناول، سهل المأخذ، صالح لطبقات الجمهور؛ من رجال الأعمال، وطلاب المدارس، وربات الخدور؛ فيستلطفه طالب النزهة في نزهته، والمسافر في رحلته، والفتاة في مدرستها وفي منزلها، ويكون مع ذلك عونًا للنهضة القومية الحاضرة على تهذيب النفس الفردية، والنفس الاجتماعية” (ص: 5).

واستمر قائلاً: “ولما صحّت عزيمتي على تحقيق هذه الأمنية، جعلت أراقب الصحف والكتب التي أطالعها، فأنتقي منها خيارها وأصطفي كل ما توفرت فيه المزايا التي أشرت إليها، ورأيت أن تكون هذه المجموعة أشبه شيء بالحديقة، يتنقل فيها المرء والمرأة، والفتى والفتاة؛ من الأزهار، إلى الأثمار والأشجار؛ ومن مرجة خضراء، إلى ينبوع ماء؛ فيكون جمال هذه الحديقة في تنوّع مناظرها، واختلاف مظاهرها، لذلك جاءت كالطبيعة على غير اطراد” (ص: 6).

وفيما أرى أن التعريف “بالحديقة” بقلم جامعها كافٍ، لا حاجة إلى مزيد إسهاب في وصفها.

أما جامعها “محب الدين الخطيب” (1886–1969م) فهو “أديب وكاتب وصحفي ومحقق وناشر وداعية إسلامي سوري، من مؤسسي “جمعية الشبان المسلمين” بالقاهرة، وصاحب المكتبة السلفية ومطبعتها بمصر.

غادر دمشق عام 1920م عندما دخلها الفرنسيّون وانتقل إلى مصر واستقر في القاهرة حيث عمل في تحرير جريدة “الأهرام”، وأصدر مجلة “الزهراء”، ثم أسّس جريدة “الفتح” ثم تولى تحرير مجلة “الأزهر”.

وكان مدافعًا عن قضايا العروبة والإسلام، وساهم من خلال “المكتبة السلفية ومطبعتها” بإصدار الكتب والنشرات وتحقيق كتب التراث الإسلامي.

وركّز جهوده وآثاره العلمية:

ضد المبشرين البروتستانت.

وضد الصهيونية

وضد المستعمر الفرنسي

ونقده للمذهب الشيعي الاثني عشري.

ونشر كتب ابن تيمية.

ونشر “فتح الباري شرح صحيح البخاري” لابن حجر مع تعليقات ابن باز وترقيم الكتب والأبواب والأحاديث واستقصاء الأطراف قام به محمد فؤاد عبد الباقي، في 13 مجلدًا مع المقدمة.

لا جرم أن هذا عمل جليل يستحق الأستاذ محب الدين ثناء العلماء والباحثين علي ذلك.

أما آثاره العلمية فمن أشهرها:

  • الخطوط العريضة التي قام عليها مذهب الشيعة الاثني عشرية.
  • مع الرعيل الأول: عرض وتحليل لحياة الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه.
  • الغارة على العالم الإسلامي (ترجمة).

وله تعليقات رائعة على عدة كتب، من أبرزها:

  • العواصم من القواصم لابن العربي المالكي (ت 546هـ) وهي أكبر وأهم من الكتاب نفسه.
  • وتعليقات على “مختصر التحفة الاثني عشرية” للآلوسي (ت 1342هـ)
  • وتعليقات مفيدة على كتاب “الإكيل” للهمداني (ت 334هـ)
  • وقد طبع كتاب “الأدب المفرد” للبخاري مع تخريج أحاديثه.
  • وتوضيح الجامع الصحيح للبخاري شرح صغير.
  • أما “الحديقة” (كتابنا هذا) فيقع في 12 جزءًا نشرته المطبعة السلفية، ومكتبتها بالقاهرة عام 1350هـ.

والحديقة تتضمن مختارات في الأدب الإسلامي في مختلف العصور، وفي مختلف الموضوعات، توجد نسخة منها في اثني عشر جزءًا في مكتبة العلامة شبلي النعماني، من رغب في الوقوف عليها والتمتع من شميم عبيرها فليتفضّل مشكورًا وشاكرًا.

وجامع هذه “الحديقة” كان يجيد اللغات: العربية والتركية والفارسية والفرنسية.

وانزوى صاحبها في آخر حياته في مكتبته وقطع صلته بالناس، وانكب على التأليف والتحقيق، وكانت نزهته يوم الجمعة بعد صلاة العصر حيث يذهب إلى سوق الكتب المقام على سور حديقة (الأزبكية) في القاهرة، ويشترى الكتب المختلفة، وقد ثابر على هذه العادة إلى ما قبيل وفاته.

توفي سنة 1389هـ الموافق 1969م في مصر وهو ابن ثلاث وثمانين سنة، بعد أن أمضى حياة ملأى بالعمل والنشاط.

×