الوسطية في منهج الأدب الإسلامي للدكتور وليد إبراهيم القصاب

القابض على الجمر
4 فبراير, 2023
“بالمشمش”
5 مارس, 2023

الوسطية في منهج الأدب الإسلامي للدكتور وليد إبراهيم القصاب

شمس الدين درمش – سورية

الوسطية مركب النجاة في الطوفان الذي يهددنا، ورغم كثرة الداعين إليها، والمدعين لها؛ فإن قلة من الناس ربما يكونون على جَدَد الوسطية التي أرادها الله سبحانه لنا؛ إذ قال في كتابه العزيز (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (البقرة:143).

ولعل من طرائف المؤلفات التي طرقت هذا الموضوع كتاب “الوسطية في منهج الأدب الإسلامي” للدكتور وليد إبراهيم قصاب، والحديث عن المنهج هو الضابط للموضوع، أما مفردات الأدب الإسلامي فإنها تختلف من أدب إلى آخر، وعند الأديب نفسه من نص إلى نص، أو من فن أدبي إلى فن أدبي آخر، فالأدب النازع بطبيعته إلى الخيال، والمشحون بالعاطفة، يغافل صاحبه مرة بعد مرة، فيند ويشطح إذا لم يكن دائم المراقبة لنفسه، والمراجعة لما يكتب.

ولعلي أقدم تعريفاً موجزاً بهذا الكتاب يلِمُّ بعمومياته الدالة على تفاصيلها من خلال العناوين الرئيسية بين دفتيه. وهو يستحق دراسة أوسع يستهدف المعارضين للأدب الإسلامي، والداعين إليه، والمبدعين فيه ليكونوا على بينة من أمرهم، (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) (الأنفال42).

فبعد التصدير والمقدمة والتمهيد تحدث المؤلف عن معنى الوسطية في اللغة، ثم أعطى لمحة عنها في القرآن الكريم، وفي الحديث الشريف، وفي أقوال بعض الصحابة والفقهاء، وهذه كلها تأصيل لمفهوم الوسطية، وتطبيقاته في الإسلام الذي ينبثق منه الأدب الإسلامي، ويتسم بسماته العديدة، ومنها سمة الوسطية.

يقول المؤلف في المقدمة مبيناً أهمية انبثاق الدعوة إلى الأدب الإسلامي: “وفي ضوء ما أصاب الأدب العربي الحديث من تغرُّب وهجانة تحدث عنها كثير من الدارسين، بسبب تقليد المذاهب الغربية، كان لا بد من مراجعةٍ وتصحيحٍ لمسيرة هذا الأدب، كان لا بد من دعوة تعود به إلى جادة الأصالة، وتحظ عليه ماء وجهه الذي أريق على أعتاب فكر الآخرين وأدبهم.. وتمثل ذلك في الدعوة إلى الأدب الإسلامي”.(ص14).

ويأتي الحديث عن الوسطية في أقوال بعض النقاد ألصق بموضوع الكتاب المباشر، ذلك أن النقد يسير خلف الأدب ويتبع أثره، ويصدر أحكامه على النص مؤيداً ومعرضاً، وقد يتجاوزه إلى صاحبه أحياناً، وليس له من ضابط يشكم جماحه إلا منهج الوسطية.

ويدخل المؤلف إلى صلب الموضوع فيتحدث في الفصل الأول عن “الوسطية في منهج الأدب الإسلامي” من خلال خطة الثنائيات التي تحكم الإبداع الأدبي، فتحدث في الفصل الأول عن: ثنائية الشكل والمضمون، والتجاذب بين المتطرفين إلى الشكل والمتطرفين إلى المضمون، ليعطينا وسطية المنهج عند الذين جمعوا بين الشكل والمضمون.

وفي الفصل الثاني تحدث عن ثنائية الفن والالتزام، بتفصيل أكثر في العناوين الفرعية التي شملت العناوين الآتية: نظريتا الطبيعة والوظيفة الشكلية والخلقية، قدم النظريتين، سبق النظرية الخلقية، الشكلية والخلقية في النقد الغربي، وظيفة الشعر، نقد المعاني، الضبط العقدي لأغراض الشعر، عدم رواية ما يصدم العقيدة، إسقاط منزلة الشاعر بسبب عقيدته، إيثار الصدق.

وفي الفصل الثالث تحدث المؤلف عن تجاذب آخر يواكب الأجيال وهو: ثنائية القديم والحديث، وضم هذا الفصل العناوين الآتية: القديم والحديث في التراث العربي، أصحاب القديم، أصحاب الجديد، أصحاب الوسطية، القديم والحديث في الفكر العربي، الجموح في التجديد، الحداثة وتغريب الأدب، الوسطية الإسلامية في قضية القديم والحديث، من ملامح الوسطية الإسلامية في إشكالية القديم والحديث.

في هذه الفصول الثلاثة دار الحديث عن “الوسطية في منهج الأدب الإسلامي” في أدبنا العربي عامة، والأدب الإسلامي منه خاصة، وهو حديث يدور فيما عندنا، ولأن ذلك غير كاف بسبب تأثر أدبنا الحديث بالآداب العالمية عموماً، وبالغربي منه خصوصاً؛ فقد جعل الفصل الرابع الأخير من الكتاب عن: ثنائيات المذاهب الأدبية الغربية. وجاء في أربعة محاور بعد حديثه عن ارتباط المذاهب الأدبية بالعقائد والفلسفات، وهي: 1- ثنائية العقل والعاطفة. 2- ثنائية الواقع والمثال، 3- ثنائية الشعور واللاشعور. 4- ثنائية الداخل والخارج. وتحدث في كل محور عن التصور الإسلامي له.

إن فكرة الثنائيات هذه التي بنى عليها المؤلف د.وليد قصاب كتابه، هي فكرة أصيلة في الحياة نفسها أشار إليها القرآن الكريم في قوله تعالى: (وَمِنْ كُلّ شَيْء خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (الذاريات:49)، ولعل هذه الزوجية الثنائية هي المقصودة أيضاً في الآية الأخرى: (وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ) (الحجر:19)، وهنا نلاحظ أن هذه المنهجية ليست نظرية اجتهادية، بل هي مرتبطة بأصل الخلق كله، فطرة فطر الله الخلق عليها، لتعتدل الحياة التي نختارها لأنفسنا حسب الميزان الذي وضعه الله سبحانه في خلقه.

وقد أكد المؤلف في عرضه لمحاور الكتاب بما ذكره في المقدمة إذ يقول: “وهذه الوسطية الأدبية الإسلامية تعني جمع وجوه الحسن كله من عناصر العمل الأدبي المتميز، لا يفرط بأي عنصر من هذه العناصر، لأن لكل منها وظيفته وجماله وتأثيره، وحضوره يحفظ على العمل الأدبي توازنه؛ إذ يهيئ له المتعة والفائدة، والجمال والالتزام، والإبهار والهدف”. (ص18).

ويلخص المؤلف في خاتمة كتابه ما قاله في المقدمة، وما عرضه في ثناياه فيقول: “إن منهج الأدب الإسلامي يقوم على النظر إلى هذه الثنائيات على أنه يكمل بعضها بعضاً، لا على أنها متناقضة، متنافرة، كما ينظر إليها في الفكر الغربي، وأنه يمكن الاستفادة من كل وجه إيجابي تحمله أية واحدة منها، لتشكيل رؤية متوازنة تقوم على الاعتدال والقصد، وتبتعد عن الإفراط والتفريط”. (ص183).

هذا الكتاب يستحق القراءة، وأن يولى مزيداً من العناية لأهمية موضوعه لنا جميعا، وللأدباء والنقاد خاصة. وصدرت الطبعة الأولى للكتاب في سلسلة روافد، برقم (57)، شوال 1433هـ/ سبتمبر 2012م، عن إدارة الثقافة الإسلامية في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت.

×