“النبوة والأنبياء في ضوء القرآن” للشيخ الندوي في رأي أحد الباحثين المعاصرين

الحدود على الجرائم الخُلُقية
21 فبراير, 2022
الحلم كركن من أركان الحكمة
7 أبريل, 2022

“النبوة والأنبياء في ضوء القرآن” للشيخ الندوي في رأي أحد الباحثين المعاصرين

الدكتور أبو سحبان روح القدس الندوي

وقع نظري على رفٍّ من رفوف (Shelf, Rack) “مكتبة العلامة شبلي النعماني لندوة العلماء” الزاخرة العامرة على كتاب اسمه “الدراسات القرآنية ا لمعاصرة”، ألفه الأستاذ محمد بن عبد العزيز السديس، وطبع في مطابع الرياض.

والكتاب أصلاً بحث قُدِّم لنيل الشهادة العالية من كلية الشريعة بالرياض في العام الدراسي 1391-1392هـ، فحاز درجة الامتياز، وأشرف عليه أحدُ الأعلام المبرِّزين في مجال العلم والثقافة العلامة منّاع القطّان (1345-1420هـ)(1) وألقى ضوءً على مدى أهمية هذا الموضوع المطروق وجعله:

“ثمرة قراءة طويلة لعدد من الكتب التي تزخر بها المكتبة الإسلامية في الدراسات القرآنية المعاصرة، يلخص أفكارها ويؤجز أبحاثها، وينقد آراءها، ويترجم لذويها”(2).

وأضاف الأستاذ القطّان آملاً: “أن يكون هذا حافزًا لطلابنا إلى المزيد من البحث والاطلاع بما يساعد على إحياء تراث أمتنا، والنهوض بها على هدي الإسلام”(3).

لا جرم أن “النبوة والأنبياء في ضوء القرآن” للعلامة الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي (1333-1420هـ) من تلك الدراسات القرآنية المعاصرة التي تناولها الباحث محمد السديس في كتابه.

وقد عرّف الباحثُ كتاب الشيخ أبي الحسن رحمه الله تعالى قائلاً:

“يقع هذا الكتاب في 164 صفحة من القطع الصغير وهو عبارة عن ست محاضرات كان المؤلف قد ألقاها عام 1382هـ في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، بدأها في شهر ذي القعدة، وذلك بناء على دعوة تلقاها من فضيلة نائب رئيس الجامعة الشيخ عبد العزيز بن باز وقد كان اختيار هذا الموضوع لإلقاء المحاضرات عنه مما آثره الأستاذ المحاضر أبو الحسن الندوي، وقد طبع هذا الكتاب طبعات ثلاث: الأولى عام 1383هـ في لكهنؤ بالهند، وكانت الثانية في القاهرة، وكانت الثالثة في بيروت عام 1387هـ ونشرته الدار السعودية للنشر”(4).

ثم قدّم التعريف بالمؤلف مولده ونشأته وتحصيله العلمي وأعماله ومؤلفاته ورحلاته(5).

ثم تعرّض لموضوع الكتاب قائلاً:

“دراسة عامة للنبوة والأنبياء وخصائص ومميزات كل وأثرهما على البشرية”(6).

ثم تناول بالتفصيل منهج المؤلف فيه ومضى قائلا:

“تحدث المؤلف في المحاضرة الأولى عن النبوة وحاجة الإنسانية إليها وفضلها على المدنية، وأوضح حاجة هذا العصر إلى الحديث عن النبوة، ثم تحدث عن النبوة والأنبياء من خلال القرآن وبين أسلوب القرآن في الحديث عن الأنبياء واستشهد بعدة آيات، وأوضح بعد هذا أن الأنبياء صفوة الخلق، موردًا الآيات التي تدل على ذلك، ثم تحدث عن المجتمع الجاهلي الذي بعث فيه النبي صلى الله عليه وسلم ومركز النبوة، بعد هذا تحدث عن الوسيلة الوحيدة للمعرفة الصحيحة، وبين ضلال الفلسفة اليونانية وسر شقائها، وعثرة الفلسفة التي بدأت في العصر الإسلامي، وتحدث عن انفراد الأنبياء بالعلم النافع المنجي، وعن مصير الأمم المتمدنة التي حاولت الاستغناء عن علم الأنبياء، ثم بين الفرق بين العلم الذي جاء به الأنبياء وعلوم البشر، وبين أنه لا استغناء ولا استكبار بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتحدث أيضًا عن مهمة الأنبياء في هذه المدنية، ثم بين أهم الواجبات، والعامل الأساسي الأكبر في صلاح البشرية وأخيرًا تحدث عن بقايا النبوة وآثار دعوتها. (النبوة والأنبياء في ضوء القرآن: 9-40)

وكانت المحاضرة الثانية عن سمات النبوة وخصائص الأنبياء:

وتحدث فيها عن جناية الأساليب الصناعية على فهم النبوة والأنبياء، وذكر الحاجة إلى درجة القرآن مجردة عن التأثيرات الخارجية، وأنهى المحاضرة بذكر الفروق بين الأنبياء والمصلحين وحصرها في خمسة فروق. (النبوة والأنبياء: 41-79)

وفي المحاضرة الثالثة تحدث عن أئمة الهدى وقادة الإنسانية:

وفيها أوضح عبث القادة بالإنسانية، والحاجة إلى الأنبياء المعصومين، ثم تحدث عن أمانة وإخلاص الرسل، وحقيقة العصمة وطرقها، وبين أن الأنبياء جديرون بالطاعة وهم محط العناية والرضا، وأنهم مؤسسو حضارة وأسلوب خاص في الحياة، أعقب ذلك ببيان خصائص حضارة الإسلام وهي خمس خصائص وأوفاها بحثًا، ثم تحدث عن دعوة القرآن إلى اتباع الأنبياء، فتأثير عاطفة الحب وسر تنافس الصحابة في طاعة الرسول، صلى الله عليه وسلم، أردف ذلك بالحديث عن ضعف عاطفة الحب في العالم الإسلامي ونتيجته، وقرر أنه لا فلاح لهذه الأمة إلا في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وأنهى المحاضرة بالحديث عن وضع العالم السلامي السيء وسببه. (النبوة والأنبياء في ضوء القرآن: 80-100)

وفي المحاضرة الرابعة “الإرادة الإلهية والأسباب المادية” وفيها تحدث عن التفاوت بين الأنبياء وخصومهم في الأسباب، وعن سنة الله مع جميع الأنبياء، وبين أن قصة إبراهيم تعتبر أعظم تحد للمادية المسرفة، وبين أن قصة موسى تعتبر تحديًا للمادية، كما قرر أن قصة يوسف مخالفة للمألوف، ثم أوضح المماثلة بين قصة يوسف ونبينا محمد صلى الله عليهما وسلم، وتحدث عن تبشير رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنصر، وعن مصدر القوة للدعاة ويخيرنا المؤلف بين الإيمان بدعوة الأنبياء أو الهلاك، ثم ينتقد التفكير القائل بأن الميزان الفاصل في الحياة هو القوة المادية، وتحدث عن سلاح المؤمن وهو الإيمان، وختم المحاضرة بالقول بأنه لا مستقبل للأمة الإسلامية إلا في طريق الأنبياء. (النبوة والأنبياء: 101-121)

وفي المحاضرة الخامسة “عظمة البعثة المحمدية”، تحدث عن نكبة العصر الجاهلي وهي أنها فقدان العلم الصحيح من العالم والإرادة الخيرة، وفقدان الجماعة التي تنتصر للحق، ثم تحدث عن الحاجة إلى طلوع شمس جديدة هي شمس الإسلام، أردف ذلك بالحديث عن تعاون الفلسفة والوثنية على إضعاف الإيمان وإضلال الإنسان، ثم بين أن الوضع الجاهلي لا يغيره إلا الإيمان، وتحدث عن الحاجة إلى أمة تبعث للصلاح هي أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وعن تأثير البعثة المحمدية، وقرر أن العالم ولد ولادة جديدة بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم، أتبع ذلك بتصوير العصر الجاهلي، وبيان أن الأمة المحمدية معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم وفيه نقل كلامًا لابن تيمية من كتابه “الجواب الصحيح”. (النبوة والأنبياء في ضوء القرآن: 122-135)

وأما المحاضرة السادسة: وهي “مأثرة النبوة المحمدية” فتحدث فيها عن أهمية الإنسان الذي وقعت عليه المأثرة عن أسرار الفطرة في الإنسان وعجائبها، ثم بين أن العالم بما فيه من خزائن وكنوز، لا تستطيع أن تقوّم عقيدة الإنسان التي لا تعرف الشك والضعف. (النبوة والأنبياء: 138)

وقرر أن مأثرة النبوة المحمدية هي في وجود هؤلاء الأفراد – أي الصحابة – بهذه الكثرة وبهذا الانتشار، وفي صورة أتم لم يسمع بمثلها في التاريخ إلخ، وبين أن كل فرد يكشف عن في أصل الكتاب الذي نقل عنه المؤلف من هؤلاء الأفراد معجزة مستقلة وآية من آيات النبوة، ثم تحدث عن الفرد الصالح الذي أبرزه رسول الله صلى الله عليه وسلم، في مختلف مظاهره ومجالات الحياة خائفًا من عقاب الله، خاشعًا أمينًا، مؤثرًا للآخرة على الدنيا إلخ، وتحدث عن اللبنات التي قام عليها المجتمع الإسلامي، ثم تحدث عن نجاح هذا الفرد الذي هو مأثرة النبوة المحمدية في المحن والتجارب، وتحدث عن زهد الولاة وتقشفهم في الحياة، وذكر قصة زوج أبي بكر الصديق حينما اشتهت الحلوى وكيف أن أبا بكر أسقط قدرًا من الدراهم من نفقته التي كان يأخذها وادخرت منها هذه الدراهم لشراء هذه الحلوى، كما ساق قصة سفر عمر إلى القدس وقد علق عليها بتعليق جيد، وأوضح فيه دلالاتها ومغازيها وما تعطيه من مثل عليًا وتواضع جم، وتحدث عقب هذا عن الجيل الإسلامي الأول وقد نقل عن مسند الدارمي، ومنهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية، ثم تكلم عن تأثير رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم في الأجيال المتأخرة، ثم تحدث عن بعض القادة المسلمين في مختلف العصور كنماذج للمدرسة المحمدية، فتحدث عن صلاح الدين الأيوبي ناقلاً وصفًا لحياته وأخلاقه من ابن شداد في كتابه “النوادر السلطانية”، ثم تحدث عن السلطان مظفر الحليم ملك كجرات ومعاصره محمود الخلجي ملك ماندو اللذين كانا متنافسين وكان الأخير يهاجم الأول ثم طرد من ملكه فالتجأ إلى مظفر الحليم فأعزه وجيش الجيوش لاسترداد بلاد مندو إلخ، وختم الفصل بتقدير: أن إنتاج المدرسة المحمدية دائم في كل عصر، وبتمام الفصل يتم الكتاب”(7).

وأنهى الباحثُ مطافه بذكر رأيه في الكتاب إفادة:

“يكفي في بيان فائدة هذا الكتاب أن يكون مؤلفه أبو الحسن الندوي صاحب الكتابات الرصينة ذات الأسلوب الأدبي الرائع، فقد تحدث المؤلف في هذا الكتاب حديثًا شيقًا عن النبوة، مبينًا حاجة الإنسانية إليها وسماتها وخصائصها، وعن الأنبياء موضحًا حاجة الإنسانية إليهم من حيث أنهم معصومون من ربهم دون سائر الزعماء العابثين بالبشرية، ومبينًا أيضًا التفاوت بينهم وبين خصومهم في الأسباب المادية إذ خصومهم عندهم من الأسباب المادية ما يفوق ما عند الأنبياء لكن الله عوضهم عن ذلك بإمدادهم بإرادته القوية سبحانه وتعالى وغيرها”(8).

هذا ولم يقف الباحثُ على الطبعة الرابعة المزيدة فيها محاضرتان قيمتين بقلم المؤلف نفسه، وهي طبعة دار القلم بدمشق، صدرت في 1394هـ الموافق 1974م.

الهوامش:

(1) هو عالم، كثير التأليف، أتحف المكتبة الإسلامية بآثاره الممتعة، اشتهر بكتابيه في المؤسسات التعلميية:

أحدهما: مباحث في علوم القرآن: وهو مقرّر من مقرّرات دار العلوم.

والآخر: مباحث في علوم الحديث.

يُراجع لترجمته وآثاره “إتمام الأعلام” ص: 444، وهو ذيل بكتاب الأعلام للزركلي، ط: الثانية في بيروت، في عام 1424هـ. تأليف الدكتور نزار أباظة ومحمد رياض المالح.

(2) كلمة الشيخ مناع القطان لكتاب “الدراسات القرآنية المعاصرة” ص:9.

(3) المصدر نفسه.

(4) الكتاب نفسه، ص: 497.

(5) الكتاب نفسه، ص: 497-499.

(6) الكتاب نفسه، ص: 499.

(7) الكتاب نفسه، ص: 499-503.

(8) الكتاب نفسه، ص: 503.

×