عاصفة يواجهها العالم الإسلامي والعربي (7)

قصيدة في ذكرى وفاة الفقيد الراحل…….
9 يناير, 2021
شعائر الله تعالى وتعظيمها (2)
3 فبراير, 2021

عاصفة يواجهها العالم الإسلامي والعربي (7)

توعية الشعوب الإسلامية والجماهير توعية لا تقبل تضليلاً ولا تحتمل كيداً للإسلام:

والأمر الثاني هو توعية هذه الشعوب الإسلامية توعية إسلامية عميقة شاملة، وإثارة الغيرة الإسلامية فيها، توعية تمنعها من أن تكون لقمة سائغة لهؤلاء القادة الثائرين على الدين، تمنعها من إساغة ما يلقمونها أو يلقنونها من أفكار مستوردة، ونظريات دخيلة، واتجاهات معارضة للإسلام، وتمنعها من السكوت على هذه المخططات اللادينية، والتشريعات المتناقضة مع الإسلام، والتغييرات التي يحدثها هؤلاء القادة بين حين وآخر، فلا تحرك ساكناً ولا تحدث اضطراباً، ولا ضمان لبقاء هذه الشعوب على المنهج الإسلامي، بل على عقيدتها وإيمانها رغم وجود المساجد والمدارس، بل على عقيدتها وإيمانها رغم وجود المساجد والمدارس، ومظاهر النشاط الديني، والحماس الإسلامي، إلا إذا كانت واعية للإسلام، متفانية في حبه، مشمئزة كل الاشمئزاز من الكفر والإلحاد، والأفكار الجاهلية، بأوسع معانيها، مؤثرة لدينها على دنياها، ولرضا الله على رضا أصحاب القوة والسلطان، لا تقبل التخلي عن شعيرة من شعائر دينها، فضلاً عن عقيدة من عقائدها.

تأثير العزم الصادق، والجهد المتواصل في قلب الأوضاع ودرء الأخطار:

أيها الأخوة الكرام! إنني أخاف أن هذا التصوير القائم لقيادات العالم الإسلامي بصفة عامة، وقيادات العالم العربي بصفة خاصة، وهذا الواقع الرهيب الذي أشرت إليه ربما يفت في أعضادكم، ويثبطكم في مقاومة هذا الخطر المحدق، وأخاف أن يتسرب اليأس إلى نفوسكم، ولكني أقول لكم – وكان تاريخ الإصلاح والتجديد الديني موضوع دراستي وتأليفي بصفة خاصة – ولا أخلي الحكومات الإسلامية، إن كانت هنالك حكومات إسلامية بالمعنى الصحيح، ولا المنظمات الإسلامية، عن تبعتها ومسئوليتها، وإنها لا شك أقدر على مقاومة هذا التيار العنيف، وعلى معالجتها بالطرق التي أشرت إليها، ولكني أقول لكم في ضوء دراساتي، إن تاريخ الإصلاح والتجديد في الحقيقة تاريخ العزائم الفردية القوية في غالب الأحيان، إنكم لا تقرؤن في تاريخ الإصلاح الإسلامي، أنه كانت هنالك جمعيات تقرر محاربة هذه الردة، ومواجهة هذا التحدي، ولم تكن هنالك جمعيات سرية تضع مخططات دقيقة.

مثالان من التاريخ أيضاً:

واضرب لكم مثلين فقط، أولهما لما زحف التتر على العالم الإسلامي، فوقع كله تحت سنابك خيلهم، وتحت رحمة هؤلاء الوحوش الذين لا يعرفون الرحمة، وما أشقى الإنسان الذي يقع تحت رحمة من لا يعرف الرحمة؟ دوخ التتر العالم الإسلامي كله من أقصاه إلى أقصاه، فأصبح جريحاً محطم الأعصاب، محطم الجسم، هشيماً كهشيم المحتظر، ثم ماذا كان؟

هل سمعتم أن العلماء المعاصرين اجتمعوا في مكان سرى وقرروا قراراً، أو اتخذوا مشروعاً بالأغلبية، يقولون: إننا نقرر منذ الآن أننا سنحارب هذا الخطر الداهم، هذا الشر المستطير، هذا التحدي السافر للإسلام والمسلمين، ولكن المسلمين قبلوا هذا التحدي، وقام رجال لا يذكر، بل لا يعرف التاريخ أسماءهم، علماء ربانيون مخلصون، قالوا: إننا لا نستطيع أن نقابل سيفهم بسيف، فقد أصبح السيف الإسلامي مفلولاً من زمن طويل، ولكننا لا نزال تحمل شعلة الإيمان، ولا يزال الإسلام جديداً دافقاً بالحيوية، إننا سنخضع هؤلاء الوحوش الذين أخضعوا العالم الإسلامي، لرسالة الإسلام الإنسانية الخالدة، وشريعته الحنيفية السمحة، ونفتح قلوب الفاتحين الذين فتحوا بلادنا وأراضينا، وسبوا ذرارينا، للإسلام وحبه، ويذكر المؤرخون الغربيون(1)، أنه كانت منافسة شديدة بين المسيحية وبين الإسلام، أيهما ينتصر على هؤلاء التتر الوثنيين الجهال (PAGANS) وتجذبهم إلى جانبها، وكانت كل القرائن تدل على أن المسيحية ستكون المجلية في هذا المضمار، وتحرز قصب السبق، لأنها كانت بمعزل عن هذه الحوادث، وكان المسلمون هم الذين هاجوا هؤلاء الوحوش الذين كانوا محصورين في قراقرم، وفي قراهم في آسيا الوسطى منذ قرون، لا شأن لهم بالعالم الخارجي، وأيقظوا هذه الفتنة النائمة بطيش ملك من ملوكهم، وقلة بصره بالعواقب.

ولكن ماذا كان؟ انتصر الإسلام، وأسلم التتر على بكرة أبيهم، وكان منهم علماء وفقهاء، وكان منهم عباد وزهاد، وكان منهم مؤلفون، وكان منهم مجاهدون، وكان منهم من أسس دولاً قوية في أنحاء العالم، منها حكومة آل عثمان، التي رفعت راية الإسلام عالية خفاقة في قلب أوربا خمسة قرون، ومنها الحكومة المغولية الإسلامية التي قامت في الهند، وتحدثت عنها في هذا الحديث، لقد انتصر الإسلام على المسيحية في هذه المعركة، لأن تعاليم الإسلام كانت أقرب إلى الفطرة، وأقرب إلى العقل، وأقدر على تنظيم الحياة، وترقية المدنية، وقيادة الحكومات، من المسيحية السلبية، الزاهدة في الحياة، ولأن إخلاص دعاة الإسلام وعلمائه في ذلك العصر، كان يفوق إخلاص دعاة المسيحية، ولأن الفكرة قد ملكت عقولهم، واستحوذت على مشاعرهم، وكانوا كالأم الرؤوم التي قد فقدت وحيدها، ولم تكن القضية بالنسبة إلى المسيحية، كما كانت بالنسبة إلى المسلمين، وليست النائحة كالثكلى، ويحدث التاريخ – على عدم استيفائه لأخبار إسلام التتر ناقصاً مبتوراً، ينتظر مؤرخاً عالي الهمة كثير البحث – عن مآثر فردية، وعن أشخاص كانوا السبب في إسلام مآت ألوف من التتر، ودخول حكومة تاتارية بأسرها في الإسلام(2)، وما ذلك إلا لشدة إخلاصهم، وتوجعهم، وربانيتهم، وهي من آلاف قصص ضيعها التاريخ، وكان من أسباب هذا الضياع، وعدم اطلاع الناس عليها، حرصهم الشديد على إخفاء أسمائهم، وألا يكون في هذا العمل حظ لنفوسهم وللشيطان.

الهوامش:

(1) في مقدمتهم آرنولد صاحب تاريخ دعوة الإسلام (Preaching of Islam) راجع تعريب الكتاب “الدعوة إلى الإسلام” بقلم جماعة من الأساتذة المصريين ص: 250، و”رجال الفكر والدعوة في الإسلام” ج/1، ص: 306-307، الطبعة الرابعة، دار القلم الكويت.

(2) إقرأ على سبيل المثال قصة إسلام الأمير تغلق تيمور ملك كاشغر أحد ملوك التتار الكبار، لمجرد حديث دار بينه وبين الشيخ جمال الدين الإيراني في “دعوة الإسلام” لآرنلد ص: 265-267، والقصة مذكورة في “رجال الفكر والدعوة في الإسلام” الجزء الأول، ص: 318-320.

 

(الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي)

×