الفكر نور
9 يناير, 2021طريق النجاح (الإصرار والعزيمة)
7 مارس, 2021طريق النجاح (تحديد الهدف)
أخي العزيز
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد سمعت – أيها الأخ – عن العباقرة الأفذاذ والفاتحين الأبطال، وقد سمعت قصصا من فتوحاتهم وبطولتهم من أفواه آبائك وأساتذك، وربما تمنيت أن تكون معدودا في زمرتهم، وتوخيت انتظام نفسك في عقدهم، فهل تعرف السر الذي خلد أسماءهم في صفحة التاريخ، وكيف أصبحوا حديث النوادي والمحافل؟ ولماذا تلتهج الألسنة بثنائهم العطر وذكرهم العبق؟ وكيف ظلت نجومهم ساطعة في آفاق المجد والكمال؟ ودوي ذكرهم في الأوهاد والأنجاد وسارت بهم الركبان في الشرق والغرب؟ وكيف حصل لهم ماحصل، وتحقق لهم ما تحقق من العبقرية والعصامية؟.
هيأ – أيها الأخ – واسمع ما أقول إذا أردت الانضمام إليهم، والانضواء إلى رايتهم، وأصغ سمعك إلى مقالي إذا نويت الانخراط في سلكهم، أن العظمة لا تتحقق للجبان المخلوع، ولا تتيسر للرجل المذعور، وإنما خلقت للجلد الصبور والشجاع البطل، ويتزين بها سديد الهدف وصحيح العمل، ويظفر بها الصابر المتفائل لا المتشائم المتخاذل، ويتنعم بها الفطن اليقظ لا المبهور بزخارف الحياة والمتقاعس.
اسمع – أيها الأخ – أن سر عظمة العظماء أنهم جعلوا لحياتهم أهدافًا سامية كانوا يسعون إلى تحقيقها، وبغية صالحة جعلتهم يتنكبون عن كل ما سواها، حتى لا يهمهم إلا شأنها، ولا محبوب لديهم إلا ذكرها، ولا يبذلون جهدهم إلا لأجلها، ويضنون بالغالي والرخيص إلا في سبيلها، كأنما هي لهم وهم لها، وراحوا يستلذون بالمتاعب إذا لاقت في طريقهم نحو الصعود، ويستمتعون بالأهوال والصعاب للظفر بالمآثر والأمجاد، ويستطيبون العراقيل في طريق الحصول على المأمول، ويستكرهون اليسر لو صرفهم عن السعي والعمل، إذ الشدة في اعتقادهم تنبئ عن الفرج القريب، وتشف عن المستقبل الزاهر، وتبشرعن الخير القادم والشر الراحل، وانبلاج الصبح الصادق بعد الظلام الغاسق، فهو في زعمهم دليل الخير والفتح، وطليعة البشرى في سبيل النصر والهدى، وقد آمنوا بما ذكر في القرآن “إن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا” فكانت قلوبهم بهدي القرآن مرتاحة هادئة، وببيان الفرقان مطمئنة راضية، فتحقق لهم ما أرادوه، وهان لهم ما أكبروه، وتكللت جهودهم بالنجاح، وحالف لمساعيهم توفيق الله، فما من رجل عظيم إلا وهو قاسى في تحقيق مرامه من الصعوبات ولاقى في سبيل مرامه من العقبات والمشكلات، لأن القدرة الإلهية جعلت طريق السعادة محفوفًا بالمكاره ومحاطًا بالأشواك، لا يسلكه إلا من في جنباته قلب شجاع وهمة وثابة إلى الخطر، ولا يتجرأ عليه إلا من استهان بقيمة الحياة واستخف بمكابدة الأهوال والصعاب.
فعليك – أيها الأخ – أن تجعل لنفسك هدفا ساميا، وتحدد لحياتك بغية صالحة، فإن قيمة الإنسان بسمو الهدف لا بالفضة والذهب، وجلائل الأعمال لا بمجرد الآمال، يسمو إذا كان ساميا ويهبط إذا كان تافهًا، وهو الذي يجلب لك السعادة والهناء، ويجر عليك الكدر والشقاء، وهو الذي يفرق بين الناجح والراسب، وبين الخبيث والطيب، ويميز العاقل من الغبي، والجيد من الرديء.
فإذا فرغت من تحديد هدفك، وسرت غلوة في طريق نصرك، لابد أن ترى الصعوبات تلوح لك، وتثني عنان عزيمتك،وتستنفد قوة صبرك ومثابرتك، فحين ذلك تخلَّق بخلق الفاتحين من الأبطال، واصمد صمود الصماء من الجبال، ولاتبال بما يقول الحاقدون عليك، ولا تنزعج بما يتفوهون من معايبك أو يذكرون من مثالبك، وكن ماضيًا في طريقك صامتًا لا متشائمًا ولا متخاذلا، ولا تدع الجبن وفتور العزيمة يتسربان إليك، وإذا هجمت عليك جنود الشك والريب وتكاد نفسك وقواك تخذلك، قل لنفسك متصبرا كما قال الفارس قطري بن الفجاءة:
فصبرا في مجال الموت صبرا فما نيل الخلود بمستطاع
ولا ثوب البقاء بثوب مجد فيطوي عن أخي الخنع اليراع
كن بطلا من الأبطال، واسلك مسلك الفطاحل من الرجال، لا تخنع للدهر إذا ألفيته يعارضك، ولا تخضع للحدثان إذا وجدته يحول دون غايتك، فإن الدهر لا يعطي عنانه إلا لمن انتصر عليه وليس من شأن البطل المغوار أن يشكو بأن الدهر لا يوافقه والظروف لا تواكبه، قم من مضجعك، وانهض من سباتك تجد الدهر يسايرك والظروف تواكبك، خذ من عزمك عتادك في سفرك، وزادك في رحلتك، تجد الصعاب حليفك في سيرك، وحليلتك في رحلك، والطرق تقبل قدميك، ويبتسم لك وجه الحياة، واترك على جبين الكون بصمات مآثرك خالدة متلالئة يستضيئ بها من بعدك، فليس للإنسان إلا خلف وراءه من الآثار:
إنما المرأ حديث بعده وكن حديثا حسنا لمن وعي
(محمد خالد الباندوي الندوي)