العلامة الشيخ محمد واضح رشيد الحسني الندوي شخصية عبقرية
محمد وثيق الندويالحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
الكتيبة المؤمنة التي جهزها سماحة الداعية والمربي الجليل أبي الحسن علي الحسني الندوي ـ رحمه الله ـ لمواجهة الغزو الفكري، ورفع الراية المحمدية في بداية الخمسينيات، كان من أبرزهم العالم الرباني الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي، والكاتب الإسلامي المرحوم محمد الحسني، وسعادة الدكتور سعيد الأعظمي الندوي، والأستاذ محمد واضح رشيد الحسني الندوي، هؤلاء كانوا الساعد الأيمن بل على الجبهة الأولى مع قائدهم ومربيهم في صد تيار الرِدّة الفكرية والعقائدية والحضارية والثقافية في عصر كان الدفاع فيه عن الدين يعنى الإيثار والتضحية في معنى الكلمة، بل كان بمثابة الانتحار، ولكن ثبتت هذه الكتيبة المؤمنة على الجبهة التي عيّنهم عليها قائدُهم ومرشدهم، فكانوا مثل الجبال الراسيات في الاستقامة على سبيل الدفاع عن الحق، وإثبات فضل الإسلام وحضارته، وكشف القناع عن الوجه الكالح للحضارة الغربية المادية الداجلة، فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله، وما ضعفوا وما استكانوا في الصمود والثبات أمام معركة القومية العربية التي جاءت بحدها وحديدها، ولكن هذه الفتية المؤمنة قامت بردّ هذه الفتن على أعقابها، بل قضت عليها في عهدها وعقر دارها .
إن كانت هذه الكتيبة تتألف من أربعة رجال، إلا أن كل واحد منهم كان بمثابة جيش مستقل يجاهد في سبيل الله مع الأسلحة والوسائل والمواهب والطاقات التي يملكها،ولكل منهم ميزات ومجالات.
وأما المفكر الإسلامي والمربي الحكيم والكاتب الإسلامي العظيم العلامة محمد واضح رشيد الحسني الندوي، فهو من جهابذة الكتاب المفكرين المعدودين، ونوابغ العلم والمعرفة، ومن فحول الأدباء القلائل، ومن العلماء الأعلام المبرزين في البحث والتحقيق والدراسة على طراز الباحثين السابقين ذوي الاتجاه الإسلامي السليم والمنهج الإسلامي الوسط، يساجلهم منقبة وقدراً، وإن تأخر عنهم طبقة وعصراً، اعتنى بالفكر الإسلامي الأصيل، وله نظرات ثاقبة وخبرات واسعة في مجالات الفكر والدعوة والتعليم والتربية والكتابة والصحافة والأدب العربي والتاريخ، والغزو الفكري والثقافي،ومراجع الأدب العربي، والتاريخ المعاصر، وله اطلاع واسع على الفكر الأوربي، والحضارة الغربية، والتيارات والأفكار الأوربية والنظريات الغربية الهدامة، فهو مربي جليل وموجه حكيم،و أستاذ قدير، وأديب ألمعي، وصحافي بارع، ومعروف على المستوى العالمي ببحوثه وكتاباته الدسمة، ومقالاته واقتتاحياته الهادفة الفخمة، وبفكره النير المشرق، وتذوقه العالي، وخلقه النبيل، وسلوكه الهادئ الرزين، وصوته الرخيم العذب، وحياته الصالحة التقية، وأما شعاره فهو مواجهة الباطل والردّ عليه، والدعوة إلى الإسلام من جديد وإثبات جدارته وصلاحيته لمواكبة ركب الحضارة في كل عصر ومصر بأسلوب علمي معاصر جديد.
ولد العلامة محمد واضح رشيد الحسني الندوي في أسرة كان شعارها منذ زمن طويل الجمع بين العقيدة السلفية النقية وبين الربانية الصحيحة، فتربى الأستاذ تحت إشراف خاله سماحة الإمام أبي الحسن علي الحسني الندوي ـ رحمه الله تعالى رحمة واسعة ـ، فاستقى من فكره النير، ونظرته الثاقبة، وغيرته الدينية، وحميته الإسلامية، وقلبه المشرق اليقظ، وفراسته الإيمانية، وحسه المرهف، وذوقه الرفيع، وأسلوبه الدعوي والتربوي الحكيم، وعقله المتفتح، واتزانه في التأليف والنقد والتحليل، والاستنارة بنور القرآن وهديه والاستدلال به، فكان التوفيق حليفه في كل خطوة خطاها في الدعوة والتعليم والتربية، وفي مجال التأليف والإعلام.
تلقى العلامة محمد واضح رشيد الحسني الندوي تعليمه في جامعتي ندوة العلماء، وعلي جراه الإسلامية، وعُيِّن بعد التخرُّج في بداية الخمسينيات في القسم العربي للإذاعة الهندية بدلهي، وشغل هذا المنصب حوالي عشرين سنة، حيث سُنِحَت له فرصة الاطلاع على الأدب العربي القديم والحديث، فقرأ كتابات الأدباء والمفكرين العرب في الرواية والقصة والمسرح، إلى جانب استزادته من دراسة الأدب الإنجليزي والفكر الغربي دراسة مباشرة، واطلاعه الواسع على الإعلام الغربي والصحافة الإنجليزية ومجلاتها الراقية المتخصصة الصادرة من الغرب، ومن ناحية أخرى كان يلتقي بحكم مهنته واشتغاله بالإذاعة مع قادة الشرق والغرب السياسيين والمثقفين ورؤساء الأحزاب والجماعات المختلفة الاتجاهات الذين كانوا يقومون بزيارة الهند، فكان يجري معهم المقابلات الصحفية، ويكتب عن موضوع الساعة، ويقوم بتحليل الأحداث الهامة، والتعليقات الإذاعية، إلى جانب نقل الأخبار من الإنجليزية إلى العربية على الهواء مباشرة، وبعد عقدين من هذه الخبرات والتجارب ترك العلامة وظيفته في الإذاعة التي كانت تدر عليه مالاً كثيراً، وآثر خدمة التدريس، واكتفى بالقدر الكفاف من القوت في رحاب ندوة العلماء، ولكنه استمر في استخدام خبراته الصحفية وملكته الكتابية لتقوية الصحافة الإسلامية ولسان حالها صحيفة "الرائد" ومجلة "البعث الإسلامي تحت إشراف خاله سماحة الشيخ الندوي وتوجيهه العلمي والدعوي، فرافقه في جولاته الدعوية في الهند وخارجها، فشاهد الحضارة الغربية في عقر دارها (لندن) كما زار مدينتي استنبول والقاهرة اللتين سبقتا في الاحتذاء بحذو الغرب وتقليده.
شغل العلامة محمد واضح رشيد الحسني الندوي منصب مدير للمعهد العالي للدعوة والفكر الإسلامي، وعميد لكلية اللغة العربية وآدابها بدار العلوم لندوة العلماء لكناؤ، وهو الآن رئيس التحرير المشارك لمجلة "البعث الإسلامي" و رئيس التحرير لصحيفة"الرائد" والسكرتير العام للمجمع الإسلامي العلمي، والأمين العام لرابطة الأدب الإسلامي العالمية لشبه القارة، وعيّن رئيساً للشؤون التعليمية لندوة العلماء، ولا يزال يكتب في صحيفة "الرائد" ومجلة "البعث الإسلامي" إلى جانب اشتغاله بالتدريس والإشراف على عملية التعليم والتربية وصياغة مناهجهما، والنشاط الإعلامي وإعداد الطلاب وتربيتهم وتغذيتهم بالفكر الإسلامي لمواجهة الغزو الفكري، فتخرَّج عليه جيلٌ ينتشرون في مختلف أنحاء العالم، وهم يعرفون بخريجي " مدرسة الرائد " التي توفر تحت توجيهه وإشرافه زاداً علمياً وتربوياً منذ أكثر من خمسين سنة، كما تصدر تحت إشرافه مجلة إنجليزية شهرية (The Fragrance of East) من ندوة العلماء منذ سنوات.
صدر بقلمه إلى الآن: "تاريخ الأدب العربي (العصر الجاهلي)" "أعلام الأدب العربي في العصر الحديث" " مصادر الأدب العربي"،"أدب أهل القلوب"،" الشيخ أبو الحسن الندوي قائداً حكيماً"،"الإمام أحمد ابن عرفان الشهيد( الجزء الخامس من سلسلة رجال الفكر والدعوة في الإسلام لسماحة الشيخ أبي الحسن الندوي) "الدعوة الإسلامية ومناهجها في الهند"،"أدب الصحوة الإسلامية"،"المسحة الأدبية في كتابات الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي"، حركة التعليم الإسلامي في الهند وتطور المنهج"،" مختصر الشمائل النبوية صلى الله علي صاحبها وسلم"، "لمحات من السيرة النبوية والأدب النبوي" "إلى نظام عالمي جديد" "من صناعة الموت إلى صناعة القرارات"، سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم، من قضايا الفكر الإسلامي: الغزو الفكري، وغيرها كتب تحت قيد الطبع في موضوع الأدب العربي، والفكر والثقافة، والإعلام، والسيرة، والتاريخ .
لا شك أن العلامة محمد واضح رشيد الحسني الندوي يعتبر من أولئك الأشخاص المعدودين الذين أدركوا أخطار الغرب الفكرية البعيدة المدى، لأنه اطلع على الفكر الغربي دراسة، ومشاهدة، تحت توجيه سماحة الشيخ الندوي، فقرأ كثيراً من الفكر الغربي قراءة متأنية، وأدرك آثاره في كتابات المتجددين العرب الذين حملوا راية التغريب، والغزو الفكري في العالم العربي، فأدركته الغيرة الإيمانية فوجد في نفسه اندفاعاً قوياً للذب عن حوزة الإسلام ، فقام بتشريح جثة الغرب الفكرية تشريحاً علمياً حتى وصل إلى قاع البحر الزاخر العاتي، وكشف عن أهداف الغرب الحقيقية والمخططات الاستعمارية التي تبذل كل الوسائل والمواهب والطاقات للقضاء على القيم الإنسانية.
فخلاصة القول إن العلامة الشيخ محمد واضح رشيد الحسني الندوي يمتاز بالعلم والعمل، ويجمع بين العقل والحكمة، والخلق الحسن، وممن يضرب به المثل في التواضع، والأدب الرفيع، والسمت العالي، وتجنُّب الفضول، وحفظ الوقت، وقلة الكلام، وقلة الاختلاط مع الأنام، والبعد عن حب الفخفخة والظهور، والإقبال على شأنه، وتعليم الطلاب وتربيتهم، وبذل الوُدِّ والنصح لهم، والانبساط لهم، والناس مجمعون على الاعتراف بفضله، والإشادة بمناقبه، والتنويه بشأنه، لم تر العيون مثله، وما رأينا من يدانيه في شرح التاريخ الإسلامي المعاصر، وفقه القضايا المعاصرة، وشرح الفكر الإسلامي، والحاجة إلى تنقيته وتطهيره من الشوائب.
بارك الله في حياته وأطال بقاءه ومتّعه بالصحة الجيدة والعافية التامة.