أهداف الأستاذ أبي الحسن علي الندوي في كتابة أدب الأطفال

يوم حقوق الإنسان
17 يناير, 2024
وقفة تأمُّل
1 فبراير, 2024

أهداف الأستاذ أبي الحسن علي الندوي في كتابة أدب الأطفال

الباحثة: زرفشان خان بنت عبد الستار

كان العلامة الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي (1914م – 1999م) أديبًا بارعًا وداعيةً إلى الإسلام في الوقت نفسه، فكتبه الأدبية متحلية بالسمات الإسلامية والتربية الربانية والثقافة الدينية السمحة، فإن ما كتبه الأستاذ الندوي للطفل لم يكن مجرد وسيلة لتعليم اللغة أو تسليةً للطفل أو محاولةً لربط عقلانية الطفل بالكتاب والقراءة؛ وإنما فكره الأدبي وكتابته في أدب الأطفال كانت هادفةً، تعلّم الطفل اللغة، وتنفخ فيه روح الإسلام، وتربيه على الأسس الإسلامية، وسأتطرق في السطور التالية إلى تلك الأهداف التي توفاها الأستاذ الندوي رحمه الله في كتابة أدب الأطفال.

الهدف الأول: تغذية الطفل باللغة العربية:

يهدف كل أديب إلى تخزين الثروة اللغوية في ذاكرة الطفل، وتشويقه إلى اللغة، وتحبيبها إلى نفس الطفل، فإذا أحبها الطفل وجد متعته عندها، ولن يفارقها بل يتلذذ بها طوال حياته، فهدف إليه الأستاذ الندوي أيضًا، ويمكن إبراز هذا الهدف من خلال نقاط تالية:

الدعوة إلى الاهتمام باللغة العربية عند الطفل المسلم، والبعد عن الخيال الوهمي في أدبه مع الطفل، واستخدام الأساليب اللغوية في أدبه مع الطفل، والتركيز على الحدث الماضي.

وتزويد الطفل بالثروة اللغوية التي تناسب مستواه العقلي والمعرفي، فالثروة اللغوية وإن كانت قليلة تنقش في ذهن الطّالب بكثرة التّكرار والإعادة، وبالتالي يتم تخزينه في ذاكرة الطالب بكل يسر وسهولة.

ويستشهد لما ذُكِر بكتابه قصص النبيين، فننظر في بداية كتابه يقول رحمه الله: “وكان آزر يبيع الأصنام، وكان في القرية بيت كبير جدا، وكان في هذا البيت أصنام، أصنام كثيرة جدا، وكان الناس يسجدون لهذه الأصنام،…، وكان إبراهيم يعرف أن الأصنام حجارة، وكان يعرف أن الأصنام لا تتكلم ولا تسمع، وكان يعرف أن الأصنام لا تضر ولا تنفع…، وكان إبراهيم يقول في نفسه: لماذا يسجد الناس للأصنام؟…لماذا يسأل الناس الأصنام”؟! (1) فانظروا إلى تكرار الكلمات لترسيخ هذه الكلمات في ذهن الطفل، هذا من جهة، ومن ناحية أخرى يهدف إلى غرس شجرة التوحيد في قلب الطفل، وإنبات بذرة الكره والنفور تجاه الشرك.

وصياغة كتاب الطفل في لغة القرآن، ووضع النصوص الشرعية في محلّها كالفص في الخاتم، انظروا إلى براعته، يقول: “وأراد الناس أن يسجدوا للأصنام…، قالوا: {من فعل هذا بآلهتنا} {قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم} {قالوا: أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم}؟ {قال: بل فعله كبيرهم هذا فاسئلوهم إن كانوا ينطقون}.

الهدف الثاني: التّربيّة الإسلاميّة:

من المعلوم أن التربية عملية هادفة مقصودة لابد من تحديد أهدافها وإلا سارت بغير وعي ولا إرشاد. والأهداف التربوية هي “الأغراض” التي تشتمل على المقاصد النهائية التي يراد من التربية إنجازها، و”الوسائل” التي تشتمل على الوسائل، والأدوات الفعالة لتحقيق الأغراض المرجوة.

ولا غنىً لأي من القسمين عن الآخر، فـ”الأغراض” دون وسائل نوع من الأمنيات البعيدة المنال، والتطلعات المعوقة للإنجاز، و”الوسائل” دون أغراض تنقصها الدوافع المحركة والغايات الموجهة.

فتأليفات الأستاذ الندوي للكتب الأدبية للأطفال هي من قبيل الوسائل والتي تهدف إلى زخرفة الآداب الإسلامية على عقل الطفل، وتحريك مشاعره الصافية للتمسك بالثقافة الإسلامية.

وقدّم الأستاذ أبو الحسن علي الندوي في مستهل كتابه “قصص النبيين” النصيحة التّربوية، فيقول: “ابن أخي العزيز! أراك حريصاً على القصص والحكايات، ولكني أتأسف لأني لا أرى في يدك إلا حكايات السنانير والكلاب…، ولكني أخجل أنك لا تجد ما يوافق سنك من القصص العربية…، فرأيت أن أكتب لك ولأمثالك أبناء المسلمين قصص الأنبياء والمرسلين – عليهم صلاة الله وسلامه – بأسلوب يناسب سنك وذوقك، ففعلت(2).

وقد أكد هذا المعنى السامي الأستاذ الندوي تأكيدًا واضحًا ومميزًا في معظم قصصه وحكاياته، ففي “القراءة الراشدة” نجده مهتمًا بتقديم معرفة الله إلى الأطفال من خلال الحبكة القصصية، فنجده في موضوع بعنوان (حديث القمر) يصف السّماء، واللّيلة المقمرة، وارتفاع القمر عن الأرض، وهي أشياء تُجسد عظمة الخالق سبحانه وتعالى، ويُقدم فيها للطفل عددا من الحقائق العلمية والشرعية في أسلوب حواري بين الطفل (هشام) ووالده، وفيها نجد (هشام) يُكثر من التّسبيح والتّكبير(3) حيث أصبحت الحقائق المتنوعة التي يُقدمها الوالد للطفل مثيرة لخياله فيتساءل عن مدبرها، حتى يعلم أنَّه الله سبحانه وتعالى، وبذلك يلهج بالتسبيح له.

الهدف الثالث: الدّعوة إلى الإسلام:

تحقيقًا لهذه الغاية السامية قدّم النّماذج الطّاهرة من دعوة الأنبياء والصّالحين التي وردت في القرآن الكريم، ومنها: نموذج من دعوة إبراهيم، ونموذج من دعوة سيدنا يوسف، ونموذج من دعوة سيدنا محمد– صلوات الله عليهم أجمعين، ونموذج من دعوة جعفر بن أبي طالب للنّجاشي ملك الحبشة.

يقول الندوي رحمه الله في دعوة إبراهيم عليه السلام: “ودعا إبراهيم قومه إلى الله ومنعهم من عبادة الأصنام، قال إبراهيم لقومه: ما تعبدون؟ {قالوا: نعبد أصنامًا}، قال إبراهيم: {هل يسمعونكم إذ تدعون}؟ {أو ينفعونكم أو يضرون}؟ {قالوا: بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون}، قال إبراهيم: فأنا لا أعبد هذه الأصنام، بل أنا عدو لهذه الأصنام، أنا أعبد رب العالمين(4).

بينما في بداية القصة قام الأستاذ الندوي بترسيخ فكرة التوحيد لدى الطفل ومنابذة ما يخالف الفطرة والحس ومناقشة المسائل التي لا تخضع لها الفطر السليمة، وإعداد النفس لتحمل المشاق في سبيل التوحيد ومعاداة أهل الشرك.

الهدف الرابع: ربط عقلانية الطفل بـ”الثّقافة الإسلامية”:

في حياة كل أمة مفاهيم أساسية تحرص عليها، وتعمل على ترسيخها، وتسعى كل أمة سعيًا حقيقيًّا دائبًا على أن تكون واسعة الانتشار والتداول لدى غيرها، وتتخذ لتحقيق ذلك وسائل شتى: من كتب ومؤتمرات ودراسات ونشرات ومناهج التعليم ووسائل الإعلام والتوجيه لتوضيح هذه المفاهيم وشرحها، وبيان أسسها وخصائصها، وتفصيل وجوه النفع فيها، وهذه هي الثقافة.

فكان التركيز على الثقافة الإسلامية من أهم أهداف الأستاذ الندوي رحمه الله في كتابته للأطفال، فقام بترسيخ خصائص الثّقافة الإسلامية في عقول النّاشئين، وذلك كالتّالي: الوعي الإسلامي، والنّظرة الشّمولية والتّفسير الإسلامي للتّاريخ، وربانية المصدر والغاية، والإنسانية، والثّبات، وكتابه سيرة خاتم النبيين، والقراءة الراشدة لتعليم اللغة العربية والثقافة الإسلامية يتجلى فيهما هذا الهدف بكل وضوح.

وأقول في نهاية المطاف أن كتب الأستاذ أبي الحسن الندوي ينبغي أن تكون جليسة الطّفل، تغذي عقله، وتنمي مداركه، وتصقل موهبته، وإن كتبه ميراث أدبي لطفلنا المسلم؛ لأن أدب الأطفال عنده هو أدب إسلامي يعكس الكثير من الّذين ألّفوا في هذا الأدب، لأنّ همّه الإسلام، فيتكلّم بحرارة العاطفة، ويكتب تاريخ الإسلام بأسلوب التّربية والدّعوة الصّادقة.

الهوامش:

  1. الأستاذ أبو الحسن علي الحسني الندوي: “قصص النبيين للأطفال”(1/6)، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، الطبعة العشرون، 1417هـ/ 1996م.
  2. الأستاذ أبو الحسن علي الحسني الندوي: “القراءة الراشدة لتعليم اللغة العربية والثقافة الإسلامية”: 3/47–48، الناشر: الأكاديمية الإسلامية، ليستر، بريطانيا، طبعة أولى، 1424هـ/2003م.
  3. الأستاذ أبو الحسن علي الحسني الندوي: “قصص النبيين للأطفال” (1/18–19)، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، الطبعة العشرون، 1417هـ/ 1996م.

(*) قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة مولانا آزاد الوطنية الأردية، حرم لكناؤ

×