رب أخ لك لم تلده أمك

حسن وصديقه الأرنب
17 يناير, 2024
الاتجاه المتنامي للطائفية في البلد
3 فبراير, 2024

رب أخ لك لم تلده أمك

محمد خالد الباندوي الندوي

أخي العزيز!

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إن الأمثال –أيها الأخ–عبارة عن التجارب الطويلة التي جربتها الإنسانية،ومجموعة الحكم البالغة في الكلمات القصيرة، إذ أنها تختصر الكثير من الأحداث والوقائع في بضع كلمات قليلة،وتساعد في تقريب المعني من العقل وترسخه في الذهن، بل لا نبالغ إذا قلنا: إنها تحمل انعكسات عن حضارة الشعوب وثقافتها وميولها ورغباتها،فبها يتسنى لك الاطلاع على طبيعة شعب وفكره،وتتجلى لك من خلالها أفكاره وسلوكياته، وتصور المجتمع تصويرا صادقا، وتصفه وصفا أقرب إلى الواقع والحقيقة، وقد أعار الباحثون عن الحضارة والتاريخ اهتمامهم بالأمثال الشعبية ودراسة خلفياتها لأنها أقوى ممثل وأقدر لتصوير ذهنية الشعوب وأفكاره ومعتقداته. ومن بين الأمثال العربية الشهيرة.

“رب أخ لم تلده أمك” مثل يضرب للشهامة ووقوف الصديق بجانب صديقه في وقت الشدة كناية عن قربهما من بعض بحيث يصيروا كالإخوة الذين لم تلدهم أم واحدة،كما أنه يضرب في حالة وجود تشابه كثير بين اثنين، وأصل المثل كما ورد في كتاب “المنتقى من أمثال العرب” أن أول من قال هذا المثل هو لقمان بن عادحيث كان يسير ذات يوم فأصابه عطش شديد، فاقترب في مظلة في فنائها إمرأة قد خلا بها رجل وهي تلاعبه ويلاعبها، وهما قد أقبلا على شأنهما لا يكترثان به،فطلب منها لقمان أن تسقيه فقالت له: أتريد لبنا أم ماءا؟ فقال لقمان : أيهما كان، فقالت المرأة: اللبن خلفك والماء أمامك،وبينما هو ينظر إلى اللبن والماء وجد في البيت طفلا صغيرا يبكي ولا أحد يهتم به، فقال لها لقمان : إن لم يكن لكم في هذا الصبي حاجة أعطوني إياه أكفله؟ وسألها عن الرّجل، فقالت: هو أخي، فقال:”ربّ أخ لك لم تلده أمك، يكذّبها في قصدها أي هو أخوك بالمحبّة والصداقة لا بالولادة. فصارت مثلا.

وقال في الدرّة: حكى ابن نصر الكاتب أن أبا العباس بن ياسر دخل عليه، رجل نصرانيّ ومعه فتى من أهل ملّته حسن الوجه، فقال له: من هذا الفتى؟

فقال له: بعض إخواني، فأنشد أبو العباس:

دعتني أخاها أمّ عمرو ولم أكن

أخاها ولم أرضع لها بلبان

دعتني أخاها بعد ما كان بيننا

من الأمر مالا يصنع الأخوان

وقالوا في هذا المعنى: ربّ بعيد أقرب من قريب، وقالوا: القريب من قرب نفعه، وقال أبو تمام:

ولقد سبرت الناس ثم خبرتهم

وبلوت ما وصفوا من الأسباب

فإذا القرابة لا تقرّب قاطعا

وإذ المودّة أقرب الأنساب

×