أوفى من السموأل

أغلى الثروة في الكون
26 نوفمبر, 2022
مدرسة التضحية والفداء
4 فبراير, 2023

أوفى من السموأل

(محمد خالد الباندوي الندوي)

أخي العزيز!

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 كانت العرب في الجاهلية – أيها الأخ – يملكون مواهب ميزتهم عن غيرهم من الأمم، ويتحلون بأخلاق وصفات رفعت قدرهم، وأعلت مكانتهم، حتى جعلتهم “خير أمة” وحملة رسالة سماوية، والناشرين لأنوارها، والحاملين لهمومها وأعبائها، لأن الأخلاق العالية والشيم الحميدة هي التي ترفع قوما وتفسح له مكانا مرموقا في العالم، وإنما هي مصدر الخير والسعادة، ومصباح الأمل في ليلة اليأس والقنوط،فإن من صفات العرب الحميدة:المروءة،والصدق والكرم والعزة وحسن الجوار والصبر وإكرام الضيف والشجاعة والوفاء.

تميزت العرب قبل الإسلام بشيمة الوفاء ونفورهم من الغدر،فقد كانوا يحافظون على عهودهم ومواثيقهم، ويثنون على الوفي ويرفضون الغدر وخيانة الوعود،ويذمون مخلف الوعد.

ولعلك قد سمعت -أيها الأخ-المثل العربي السائر” أوفى من السموأل” فهل تعرف من هذا الرجل الذي يضرب به المثل في شدة الوفاء وما هي قصته؟ فها أنا أقص عليك شيئا من حديثه الذي حفظه لنا كتب التاريخ والأدب:

“هو السمؤال بن غريض بن عادياء الأزدي شاعرٌ جاهلي وهو من أتباع الديانة اليهودية وكان من حكماء العرب القدماء، يرجع اسمه الى اللغة العبرية فالسموأل اسم عبري معرب ويلفظ بالعبرية “شمويل أو صاموئيل” والذي يعني الظِّلّ وقد عاش هذا الشاعر في الخمسين عاما الأولى من القرن السادس الميلادي وهو من يهود خيبر سكن في خيبر وكان كثير التنقل بين خيبر وبين الحصن الذي بناه جده عادياء والذي أسماه “الأبلق” وقد وصل من شعرِهِ القليل، وأما قصة وفائه المعروفة مع امرئ القيس فهي كما ذكرته كتب التاريخ:أنّ امرا القيس عندما أراد اللحاق بقيصر طلبا منه المساعدة ليأخذ بثأر أبيه المقتول أودع دروعه وحاجياته عند السموأل ثم رحل، ولما سمع أحد ملوك الشام بموت امرئ القيس توجّه الى السموأل وطالب بتسليمه ما أودعه عنده، فرفض تسليمه ما لديه من حاجيات امرئ القيس وكان للسموأل ابنٌ خارج الحصن فأمسك به الملك الذي طالب بحاجيات امرئ القيس ثم قال لوالدِهِ: “هذا ابنك في يدي، وقد علمت انّ امرأ القيس ابن عمي ومن عشيرتي وأنا أحق بميراثه، فإنْ دفعت إليّ الدروع وإلا ذبحتُ ابنك” فرفض السموأل أن يعطيه مرادهُ وقال: “ليس إلى دفع الدروع سبيل، فاصنع ما أنت صانع” فذبح الملك ابنه أمامه، وهو ينظر لذلك ثم انتظر الشاعر إلى أن أتى ورثة امرئ القيس الحقيقيون فأعطاهم حاجيات امرئ القيس فأصبحت العرب تضرب المثل للوفاء بالسموأل الذي آثر أن يموت ابنه قتلا أمامه على أن يعطي الملك أمانة أودعها احدٌ عنده”.(وفاء السموأل لأنطوان الجميل.رواية تمثيلية).

هكذا كانت العرب قبل مبعث النبي – صلى الله عليه وسلم –على أصالتهم ونقائهم،كانوا أبعد شيئ من شوائب الحضارة وأرجاس المدنية، لم يتلوث رداء شرفهم بمثالب المدنية ولم يتدنس عرضهم بالذل والهوان، فقد كانوا غيارى في أعراضهم، صرحاء في أقوالهم وآرائهم، صادقين في تعاملهم في السراء والضراء، بعيدين عن الكذب والخيانة والمكر والخداع، يأبون الذل والإسار ويأنفون الخضوع والانكسار، ويكرهون استعمال الحيلة والغدر فرارا من الموت، واستبقاءا للحياة.

×