المخرج الوحيد من الأزمات والمشاكل
5 أكتوبر, 2021إلى أين يتجه البلد الحرام؟!!
9 يناير, 2022اليوم العالمي لحقوق الإنسان
محمد وثيق الندوي (مدير التحرير)
يحتفل العالم باليوم العاشر من ديسمبر كل عام كيوم عالمي لحقوق الإنسان، تذكيرًا بالإعلان العالمي لحماية حقوق الإنسان،الذي اعتمدت فيه هيئة الأمم المتحدة عام 1948م الميثاق العالمي لصيانة حقوق الإنسان بموجب القرار 217 الذي حدَّد حقوق الإنسان الأساسية التي يجب حمايتها دوليًا، ووضعت الهيئة الأممية هذا الإعلان معيارًا ينبغي أن تراعيه جميع الشعوب والأمم،وتقرَّر الاحتفال بـ”يوم حقوق الإنسان” رسميًا في الاجتماع رقم 317 للجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة في الرابع من ديسمبر 1950م حيث أصدرت الجمعية القرار رقم 423 الذي دعت فيه جميع الدول والمنظمات والمنابر الدولية إلى اتخاذ اليوم العاشر من ديسمبر كل عام كيوم عالمي لصيانة حقوق الإنسان.
وأما السبب وراء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فهي المآسي والفظائع والخسائر الفادحة في الأرواح والممتلكات التي حدثت بسبب الحرب الكونية الثانية، فاضطر قادة العالم إلى صياغة ميثاق يمنع وقوعها،وتعهَّدوا بعدم السماح على الإطلاق بوقوع مآسي بشرية مرة أخرى، كما قرر قادة العالم إكمال ميثاق الأمم المتحدة بخارطة طريق تضمن حقوق كل فرد من أفراد البشر في أي مكان أو زمان، ومهما كان لونه أوجنسه أو عرقه أو لغته أو عقيدته.
يدعى الغرب بأنه رائد حماية حقوق الإنسان، وفي الاحتفال باليوم العاشر من ديسمبر كل عام يركز الكُتَّاب والمتحدثون على نقطة واحدة، وهي حرية الإنسان، وعدم التمييز على أساس العقيدة، أو الجنس،أو اللون،أو اللغة،أو الطبقة أو الإثنية،أو العرق،ويقوم عليها أساس هذا الميثاق، فيقول البندان الأولان للميثاق.
“يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق، وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء”.
“لكلِّ إنسان حقُّ التمتُّع بجميع الحقوق والحرِّيات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أيِّ نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدِّين، أو الرأي سياسيًّا وغير سياسي،أو الأصل الوطني أو الاجتماعي،أو الثروة، أو المولد، أو أيِّ وضع آخر، وفضلاً عن ذلك لا يجوز التمييزُ علي أساس الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي للبلد أو الإقليم الذي ينتمي إليه الشخص، سواء أكان مستقلاًّ أو موضوعًا تحت الوصاية أو غير متمتِّع بالحكم الذاتي أم خاضعًا لأيِّ قيد آخر على سيادته”.
ويقول البند الخامس: ” لا يجوز إخضاعُ أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطَّة بالكرامة”.
ويقول البند السابع:” الناسُ جميعًا سواءٌ أمام القانون، وهم يتساوون في حقِّ التمتُّع بحماية القانون دونما تمييز، كما يتساوون في حقِّ التمتُّع بالحماية من أيِّ تمييز ينتهك هذا الإعلانَ ومن أيِّ تحريض على مثل هذا التمييز”.
ويقول البند الثاني عشر:” لا يجوز تعريضُ أحد لتدخُّل تعسُّفي في حياته الخاصة أو في شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، ولا لحملات تمسُّ شرفه وسمعته، ولكلِّ شخص حقٌّ في أن يحميه القانونُ من مثل ذلك التدخُّل أو تلك الحملات”.( انظر: موقع الأمم المتحدة على الانترنت)
ولكن الوضع الراهن لحقوق الإنسان في مختلف أنحاء العالم يكذب ذلك، فالإنسان المعاصر مسلوب الحرية، ومحروم من الحقوق، ومتعرض للتمييز العنصري حتى في البلدان المتحضرة.
إن ادعاء الغرب بأنه رائد حماية حقوق الإنسان، ليس بصحيح، لأن الإسلام لقد جاء بحقوق الإنسان واضحة جلية في شريعته منذ أكثر من أربعة عشر قرنا، وطبقها المسلمون منذ عصر النبوة، وإن وقع في بعض الأزمان خلاف ذلك، فهو من ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، كما أشار إلى ذلك المهندس عبد العزيز محمد سندي في كتابه” الإحكام في حقوق الإنسان في الإسلام”.
وإن الإسلام لم يقف عند وضع المبادئ والأسس لحقوق الإنسان فحسب؛ بل تكفل برعاية حقوق الإنسان، حيث تكفل بالإنسان من مهده إلى لحده، فرسم له الطريق وأرشده إلى أقوم السبل، وترقى بعواطفه ومشاعره وواقعه إلى أسمى الغايات في صلته بربه، وبنفسه، وأقاربه، ومجتمعه، والناس أجمعين، ووضع إلى ذلك ضمانات كفيلة لصيانة الحقوق وتطبيقها وتنفيذها،وقد اعترف المنصفون من المفكرين الغربيين بدور الإسلام وشريعته السمحة في إسعاد البشر وإعطاء الضمانات الكفيلة لحقوقه، فقد وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم وأحاديث نبوية كثيرة تؤمن حقوق الإنسان وكرامته وشرفه،وتؤكد على صيانتها تأكيدًا بالغًا.
فقد ورد في القرآن الكريم:”يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا”(النساء:1) وقال:” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ “(الحجرات:13)وقال: ” وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا “(الإسراء:70).
وأعلن النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم قبل أكثر من أربعة عشر قرنًا إعلانًا ثائرًا مدهشًا للعقول، مقلبًا للأوضاع فقال: ” أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، أكرمكم عند الله اتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى”، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا ابن آدم، مرضت فلم تعدني، قال: يا رب، كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانًا مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده، يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني، قال: يا رب، كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي، يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني، قال: يا رب، كيف أسقيك، وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما علمت أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي” (رواه مسلم).
فهل يُتصور-كما كتب الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي رحمه الله-إعلان أوضح وأفصح بسمو الإنسان وعلو مكانته، من هذا الإعلان، وهل فاز الإنسان بهذه المكانة السامقة والشرف العالي في أي ديانة وفلسفة وميثاق في العالم القديم والحديث؟.
إن حقوق الإنسان في عالم العالم تُطَبَّق حسب الأهواء والمصالح، وتستخدم كسلاح ذي حدين، ويتاجر بها على حساب الأمم الضعيفة، ولمصلحة الدول القوية، وإن المتحدثين في الاحتفال بيوم حقوق الإنسان يبرزون دور القوى العالمية والغربية في خدمة الإنسانية، ودور الأمم المتحدة في صيانة حقوق الإنسان في المنابر الدولية، ولكنهم يغفلون واقع حياة الإنسان، ليس في الشرق وحده؛ بل يغفلون واقع حياة الإنسان في الغرب أيضًا، بل في أمريكا حيث يمارس التمييز العنصري على أساس اللون، فتقود أمريكا –وهي حاملة راية العدل والمساواة والإخاء حسب زعمها- اليوم حركة قمع الحريات في العالم،وفرض هيمنتها على العالم بعناوين مختلفة،ومنها مكافحة ما يسمى بالإرهاب الإسلامي وحماية الديموقراطية في العالم كله.
وإذا قمنا باستعراض انتهاكات صارخة للحقوق الإنسانية بعد التوقيع على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، نجد أكداس جرائم حرب، ومقابر جماعية، وإجراءات التعذيب والتنكيل في المعتقلات في الدول المتحضرة، وتشريد ملايين من الناس على أسس الديانة واللغة واللون والجنس والعرق،وقد ارتكبت هذه الجرائم والانتهاكات لحقوق الإنسان الدولُ والقوى العالميةُ التي تدعي الحضارة وحماية الحقوق الإنسانية وصيانة كرامة الإنسان وحريته في العمل بعقيدته، وأحدث دليل على ذلك بيان نشرته وكالة فرانس برس ودعت فيه المفوضة السامية لحقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة “ميشيل باشليه” في21 حزيران/يونيو 2021م إلى تحرّك منسّق للمساعدة على التعافي من أسوأ تدهور حقوقي يشهده العالم منذ عقود، مشيرة على وجه الخصوص إلى الوضع في الصين وروسيا وإثيوبيا.
وقالت باشليه في مستهل انعقاد الدورة الـ47 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة: “من أجل التعافي من سلسلة انتكاسات حقوق الإنسان الأوسع والأشد في عصرنا، نحتاج إلى رؤية تغيّر مسار الحياة وإلى تنسيق تحركنا”، وحذّرت من أن “الفقر الشديد وعدم المساواة وغياب العدالة في ازدياد بينما تتراجع الديموقراطية والحيّز المدني”، وأشارت إلى تقارير تدل على اضطهاد ممنهج للإيغور ووضع حقوق الإنسان في شينجيانغ في الصين و عن ” انتهاكات خطيرة في إقليم تيغراي الإثيوبي الذي يشهد حربًا بات على أثرها نحو 350 ألف شخص مهددين بالمجاعة،ومقتل ما لا يقل عن 600 مدني في مذبحة في إقليم تيغراي في إثيوبيا،والأوضاع المقلقة من الناحية الإنسانية في بورما وبيلاروسيا”،واحتُجز مليون شخص على الأقل من الأويغور وغيرهم من الأقليات المسلمة في معسكرات في إقليم شينجيانغ، بحسب مجموعات حقوقية تتهم السلطات الصينية بفرض العمالة القسرية” .
إن البند الأول لميثاق حقوق الإنسان(Human Rights Charter) يدعو إلى حل المشكلات والصراعات بالتفاوض والحوار، وعدم استخدام القوة، لكن استخدام القوة أصبح أمرًا عاديًا، كما فعلت القوة العالمية الكبرى أمريكا بأبشع شكل في فيتنام والعراق وأفغانستان،وفعلت فرنسا في الجزائر والمناطق الخاضعة لها وروسيا في المناطق التابعة لها،وبريطانيا في مستعمراتها، وكذلك ما يجري في بورما وإسرائيل، والهند ليست بمنجاة منها،وفي بعض الدول التي تدعي انتماءها إلى الإسلام،تمارس وسائل التعذيب، و تجري الاعتداءات وعمليات تعذيب الأسرى في مختلف أنحاء العالم، ولكن لا تتحرك هيئة الأمم المتحدة، ولا جمعيات صيانة الحقوق الإنسانية ولا المجتمع الدولي.
وعلى عكس ذلك تواجه جهود الإصلاح والبناء معارضة من الدول الغربية الكبرى، وتستخدم القوى الكبرى نفوذها وتساند المعتدين على حقوق الإنسان،كما تساند النظم الاستبدادية التي تمارس أبشع أنواع القمع لحقوق الإنسان بوسائل الحرب والإبادة، وتقمع حرية التعبير، وحرية العقيدة،وحرية العمل، وتفرض قيودا على التعليم الديني، وتقوم من خلال وسائل إعلامها العملاقة وجيوشهم الإعلامية ومحلليها المتدربين بأن تحول الحقائق، فتصور الحق كأنه باطل، وتثبت عكس الواقع، حتى تصبح الضحية كأنها هي الظالمة، والظالم كأنه المظلوم كما كتب الأستاذ الدكتور علي محي الدين القره داغي في كتابه “نحن والآخر”، وهذا ما نشاهده في أكثر بقاع العالم وبخاصة في فلسطين وميانمار وفي بعض مناطق الهند والصين وروسيا وفرنسا.
وورد في تقرير نشره مركز جنيف الدولي للعدالة ” أن الحالة العامة لحقوق الإنسان قد تدهورت خلال العقود الماضية، وتلاشت حقوق الإنسان الأساسية وأهمها الحق في الحياة في مناطق عديدة من العالم”. ولا يمكن غض البصر عما وقع ويقع بما يسمى بـ “الحرب على الإرهاب” أو ما يسمى بالحرب على الإرهاب الإسلامي المزعوم، من انتهاكات سافرة لحقوق الإنسان وكرامته في مختلف أنحاء العالم.
وقد مرَّ 73 عاماً على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان،ولكن حقوق الإنسان الأساسيّة تنتهك انتهاكًا في مختلف مناطق العالم تحت مسميات ووسائل مختلفة، ومما يبعث على الحزن والأسف هو عجز هيئة الأمم المتحدة عن أداء دورها في إقرار الأمن والسلم وصيانة حقوق الإنسان، فالحاجة الى وقفة تأمل وتفكير في إخفاق المعاهدات والمواثيق الدولية وكيفية إيجاد السبل لتحويل نتائج هذا التأمل والتفكير إلى مبادرات إيجابية، لأن البحث والكلام، والندوات والمؤتمرات، والحديث عن حقوق الإنسان في المنابر الدولية، هي لمجرد التذكيبر، لكنها لا تسمن ولا تغني من جوع إن لم تأخذ طريقها للتطبيق العملي العادل.