محاربة الإسلام

إلى أين يتجه البلد العلماني؟
7 يناير, 2020

محاربة الإسلام

كلُّ من يستعرض تاريخ أوروبا يصادف أنه ما إن جاء القرن السادس عشر الميلادي حتى بدأت أوروبا تنهض، ولم يعد تفكيرُها محصوراً باسترداد ما فتحه المسلمون من أراضيها، ولكنها عملت على تطويق العالم الإسلامي بكامله، وتابعت عدوانَها حتى تحقَّق لها ما كانت تريد في نهاية القرن الثامن عشر، وأصبحت قوة طاغية مستعمِرة، تريد أن تجرف أمامها كل شيء، فقد اكتشفت أسرار المادة، وأخرجت خبء الأرض، وامتلكت من وسائل العلم والاختراعات ووسائل الأسلحة في مدة قصيرة ما لم تملكه البشريةُ من قبل، ولكنها كانت وما زالت قوة بربرية، سخَّرت كل هذه الاكتشافات لتمدَّ أجنحة سيطرتها على آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية، وتجعل العالم مزرعة لها، يجب أن يأتيها خراجها.

فإن العالم الأوروبي عدو شديد العداوة، وأنه ماكر شديد المكر، وأنه خبير حسن الخبرة بتدمير الأمم وردِّها القهقرى متردية في الغموض والحيرة، وقد دارت هذه القوة الأوربية حول العالم الإسلامي تنقص من أطرافه بمهارة وحذر، فدبَّت دبيباً حول هذا العالم، وجعلت تطوق شواطئ الإسلام في أفريقيا وآسيا بطوق من الثغور تحتلُّها، ثم تنفُذ من كل ثغر إلى جسم العالم الإسلامي شيئاً فشيئاً بحذر وبلا ضجيج يزعج، كما أشار إلى ذلك محمود شاكر في كتابه “أباطيل وأسمار”، فقد ورث رجالُ السياسة الأوروبية عداوة الإسلام من الكنيسة، وتلقَّوا مفترياتها من الطعن عليه بالقبول، وضاعف هذه العداوة والضراوة بحربه طمعُهم في استعباد الشعوب الإسلامية والاستيلاء على  الدول الإسلامية، فإن الروح الصليبية لم تزل كامنة في صدور الغربيين كُمُونَ النار في الرماد، وروح التعصُّب لم تنفكُّ معتلِجَة في قلوبهم حتى اليوم رغم دعواهم بالعلم والحضارة والعدل والتسامح الديني.

إن نظرة أوروبا إلى الشعوب الإسلامية هي برنامج محفوظ في ذاكرتها: “شعب خامل، جاهل متعصب، أراض خصبة، معادن كثيرة، مشاريع كبيرة، هواء معتدل، نحن أولى بالتمتُّع بكل هذا”.

هذه العقلية الأوربية التي نشأت وترعرعت على حبِّ السيطرة والنفوذ، والتي ترى نفسها متفوقة، لا تقبل بمنطق الضعفاء الذين يطالبون بحقوقهم عن طريق الرجاء والتمنِّي أو عن طريق المنظمات التي أنشأها الأوربيون، نعم يمكن أن يستجيبوا إذا علموا أن وراء الكلمة قوة تحميها، وتصميماً لا مواربة فيه ولا التواء،يقول الأديب المعروف محمود محمد شاكر(مجلة الرسالة، العدد:730م 15/722):” وقد مضت العبر بأن هؤلاء القوم لا يكادون يفهمون إلا اضطراراً وبالقهر والغلبة، فمن العبث أن ندعو هرلاء القوم إلى سواء بيننا ويينهم، لأن القوة قد أسكرتهم فأطاشت حلومهم، وتركتهم لا يدركون إلا ذلك المعنى الخسيس للحياة، معنى الفائدة العاجلة بغير نظر إلى عدل ونصفة، ومن العبث أن نحتال عليهم بما يسمونه السياسة، فالقويُّ وحده هو الذي يعرف كيف يستفيد من السياسة”.

وإن الدول التابعة للسياسة الأوروبية، تنهج نفس المنهج كالهند التي تجري فيها اليوم محاولاتٌ مكثفةٌ ومدروسة وتمرير قوانين في البرلمان،تمهِّد الطريق إلى إنشاء دولة هندوسية لا يكون فيها مكانٌ للمسلم.

ولا يطيق الرجل الأوروبي رؤية حضارة منافسة لحضارته، وإذا اضطره الأمر فإنه يقبل بالهندوسي أو البوذي، ولكنه لا يقبل بالمسلم، ذلك لأنه يمتلك ديناً يعطيه حضارة متميزة، ونظرة للحياة تغاير نظرة الغربي، وبعد سقوط الشيوعية وانهيار الاتحاد السوفيتي تأكَّد لدى الغرب أكثر من ذي قبل أن حضارته الرأسمالية الديمقراطية هي الحق، وما عداها هو الباطل، وقد كتب المفكر الأمريكي فوكوياما في كتابه “نهاية التاريخ”: “إن النمط الغربي لتنظيم الحياة هو الذي سيسود العالم ولن يأتي شيء بعده”.

ولذلك تتعلَّل عدد من الدول أو الأنظمة بمحاربة الإرهاب أو محاربة التطرُّف لمحاربة التديُّن والمتدينين والعاملين للإسلام، والغربيون في الغالب -كما قال الدكتور أحمد الريسوني رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين -إنما يحاربون الإسلام لكبح تمدُّد حركاته وتأثيرها الاجتماعي والسياسي، فهم يحاربونه خوفاً منه، وتحصيناً لأنفسهم ولأيديولوجياتهم وسياساتهم ومصالحهم، وهذا شيء مفهوم ومعهود في السياسة، ومن أشد الدول عداوة للإسلام اليوم فرنسا، يقول الدكتور أحمد الريسوني في مقال له نشره بموقعه الإلكتروني:.

” أما فرنسا الرسمية فتجاوزت كل هذا إلى الحرب المكشوفة والمباشرة ضد الدين الإسلامي نفسه،وضد شعائره وثقافته ولغته، لا لشيء سوى أنه الإسلام وكفى.

فجميع التضييقات العنصرية؛ السياسية والقانونية والاجتماعية،التي يتعرَّض المسلمون في أوروبا هي اختراعات فرنسية أولاً، يتمّ تجريبها وفرضها في فرنسا، ثم يقع تصديرها وترويجها لدى باقي الشركاء الأوروبيين، فتُـرفض أحياناً، وتقبل أحياناً بشكل جزئي، أقلّ عدائية وعدوانية مما في فرنسا.

وفرنسا هي الأكثر إغلاقاً للمساجد في أوروبا، والأشد تضييقاً على ما لم يغلق منها، والأكثر منعاً لما يراد فتحه منها.

وهي الأشد همجية في حربها على لباس النساء المسلمات، وخاصة منديل الرأس.

وهي التي يخرج رؤساؤها، اليمينيون واليساريون والوسطيون، لينخرطوا بأنفسهم صراحة، ودون أي تحفظ دبلوماسي أو بروتوكولي، لإعلان حربهم على الإسلام.

وفرنسا وحدها ينخرط بعض من نخبها السياسية والفلسفية والإعلامية –وبشكل جماعي ومنسق– في مواجهة شرسة ضد القرآن الكريم، وضد نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام.

وفرنسا ما زالت تعتبر نفسها الوصي والرقيب العتيد على مستعمراتها الأفريقية، فتسعى بكل طاقتها ونفوذها لسحق كل نشاط أو تقدم إسلامي فيها.

فرنسا أصبحت أبعدَ الدول الغربية الأوروبية عن شعارها القديم: الحرية، المساواة، المؤاخاة.

فرنسا في العمق تحارب الإسلام بروح صليبية صهيونية، متسترةً ومتلفعة بشعارات علمانية.

فرنسا الرسمية لا تحارب الإسلام خوفاً منه ومن أهله، كما يفعل آخرون، وإنما تحاربه كراهية له، وكراهية لوجوده، وخاصة في أوروبا وأفريقيا.

بعض الدول همُّها الأول تجريدُ المسلمين من عناصر قوتهم المادية.

أما فرنسا فهمُّها الأول تجريد المسلمين من عناصر قوتهم الروحية، بل تسعى لجعلهم بدون روح”.

فإن المسلمين اليوم بحاجة ماسة إلى فهم العقل الغربي المعاصر وقيمه ومسلماته الفكرية، وأساليب تفكيره، كما خطط الغرب لفهم العقل المسلم وقيمه والمسلمات التي ينطلق منها في تفكيره وعمله مستهدفاً تسخير المسلمين لما يحقق أهداف الغرب في الهيمنة والنفوذ والاستغلال، ومحور المسلمات الفكرية عند العقل الغربي، هي فكرة الصراع والبقاء للأقوى، وقد جعلت أوروبا من نفسها القيِّم والحكم على العالم، وأصاب شررُها المسلمين أكثر من غيرهم، فهل ستستمر كذلك؟ أم سيكون المسلمون العقبة الكؤود في طريقها؟.

ونحن في الهند كذلك بأمس حاجة إلى دراسة العقل الهندوسي وقيمه، وأساليب تفكيره، وتعاليم ديانته، ومكونات حضارته، ومخططاته، والمسلمات التي ينطلق منها في تفكيره وعمله لتسخير المسلمين، ومثل هذه الدراسات ستحقق فوائد كثيرة لارتباط تاريخ المسلمين المعاصر بهذه الفكرة فكرة الصراع والبقاء للأقوى .

مدير التحرير

 

×