رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ

تضحية الصحابة رضي الله عنهم
7 يناير, 2020
سمو الهمة
16 فبراير, 2020

رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ

عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، خَرَجَ مِنْ عِنْدِ مَرْوَانَ نَحْوًا مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ، فَقُلْنَا: مَا بَعَثَ إِلَيْهِ السَّاعَةَ إِلَّا لِشَيْءٍ سَأَلَهُ عَنْهُ. فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: أَجَلْ، سَأَلَنَا عَنْ أَشْيَاءَ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “نَضَّرَ اللهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا، فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ، فَإِنَّهُ رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ ”

“ثَلَاثُ خِصَالٍ لَا يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ أَبَدًا: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَمُنَاصَحَةُ وُلَاةِ الْأَمْرِ، وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ”

وَقَالَ: “مَنْ كَانَ هَمُّهُ الْآخِرَةَ، جَمَعَ اللهُ شَمْلَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الدُّنْيَا، فَرَّقَ اللهُ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ ” وَسَأَلَنَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، وَهِيَ الظُّهْرُ.

تخريج الحديث وشرح الغريب: أحرجه أحمد برقم:21590 وابن حبان برقم:680 والبيهقي في الآداب برقم: برقم:863 قَالَ أَبُو عُبَيْد القاسم بن سلام في غريب الحديث (ج:1ص: 199): وَأما قَول النَّبِيّ صلي الله عَلَيْهِ وَسلم: ثَلَاث لَا يغل عَلَيْهِنَّ قلب مُؤمن. فَإِنَّهُ يروي: لا يَغل وَلا يُغل فَمن قَالَ: يَغِل – بِالْفَتْح – فَإِنَّهُ يَجعله من الغِلّ وَهُوَ الحقد والضغن والشحناء وَمن قَالَ: يغل – بِضَم الْيَاء – جعله من الْخِيَانَة من الإغلال. انتهى

و قوله :”فرق الله عليه ضيعته” أي فرق أمور معيشته وجعل قلبه موزعا مشتتا فيها وضَيْعَة الرَّجُلِ مَا يَكُونُ مِنْهُ مَعَاشه،كالصّنْعة والتِّجارَة والزِّراعة وَغَيْرِ ذَلِكَ. وثبت بالأحاديث الصحيحة أن الصلاة الوسطى هي العصر.

شرح الحديث: يحتمل أن تكون هي ثلاثة أحاديث قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوقات مختلفة، ويحتمل أن يكون حديثا واحدا متضمنا معاني متعددة، ففي أوله حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على حفظ حديثه وتبليغه ونشره رجاء انتفاع الناس منه، فعسى أن يكون الذي يبلغه أوعى وأفقه وأقبل وأكثر انتفاعا، فيكون الذي بلغه إياه شريكا في الأجر، وبشر صلى الله عليه وسلم فاعله بالنضرة والسرور.

و في أوسطه نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلم أن يكون مخلصا نقي القلب ناصحا بريئا من كل دغل وخيانة ودخن وغش في ثلاث خصال: الأولى في أداء العبادات والقيام بالخدمات فيقوم بما يقوم به مخلصا محتسبا راضيا بثواب الله تعالى، لا رياء ولا سمعة ولا طمع في مال أو جاه أو منصب، الثانية أن يعامل الحكام المسلمين وأولي الأمر منهم معاملة النصيحة والخير فلا يدخر وسعا في طاعتهم في المعروف، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وإسداء النصح لهم، والدعاء لهم بالهدى والسداد، والثالثة أن تكون صلته بجماعة المسلمين صلة مبنية على النصح والإخلاص والإخاء والوداد والولاء والوفاء، فلا يقوم بأي عمل يضر بالمسلمين ويضعف قوتهم ويوهن شوكتهم ويجرئ عدوهم، ولا يكشف عوراتهم، ولا يتجسس عليهم، ولا يخذلهم ولا يعين عليهم، بل يكون بقلبه وقالبه معهم يفديهم بنفسه وماله، ويسعى جاهدا في إيصال الخير إليهم.

و في آخره بشر صلى الله عليه وسلم طالب الآخرة بجمع الشمل وصلاح الأمور والطمأنينة والاستغاء عن الناس ونيل حظه من الدنيا مكرما مبجلا مصونا، وأنذر طالب الدنيا بتوزع القلب وانتشار الأمور والخوف والاضطراب والذلة والهوان والسعي وراء الدنيا لاهثا لاغبا.

اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا وأخلص سرائرنا ولك الحمد على ما أنعمت وصل وسلم على حبيبك وخليلك.

عبد الرشيد الندوي

×