العرب أمام خيارين…

غزة.. موت بطيء تحت أنياب التجويع
28 يوليو, 2025
من وحي شهر الربيع
24 سبتمبر, 2025
غزة.. موت بطيء تحت أنياب التجويع
28 يوليو, 2025
من وحي شهر الربيع
24 سبتمبر, 2025

العرب أمام خيارين…

د. محمد وثيق الندوي

إن المِحْنَة في غزة الجريحة بخاصة، وفي مختلف أنحاء العالم الإسلامي بعامة، قد بلغت أشدها، وإن الأهوال والفظائع والمجازر التي ترتكب في مختلف أنحاء العالم على مرآي من العالم المتحضر ومسمع، تتفاقم وطأتُها كل يوم، وينطبق عليها ما قاله الشاعر العربي جميل صدقي الزهاوي في قصيدته “مشهد من الحرب الكبرى”:

في كل أَرض وَصقع
مدافعٌ ثائراتُ
يقتلن كل فَتىً قد
تفيد منه الحَياة
وَليسَ يُبقين إلا
أراملاً وَيَتامى
هناك بحر خضمٌّ
يَجري ليغمر بحرا
هناك بركانُ نارٍ
تَسعى لتأكل أخرى
هناك جيش لهام
يؤم جيشاً لهاما
من قارعات صباحاً
يهتز منها المَكان
وَبارقات مساء
يحمرُّ منها الدخان
وَناسفات بليل
يبعثن موتاً زؤاما
القَتل قتل ذَريعٌ
وَالخطب خطب جسام
فوقَ الرغام دماء
يحمر منها الرغام
الأرض تشرب منها
وَلا تبل أواما

ويقول في قصيدة له أخرى بعنوان” متى تضع الحرب أوزارها”:

ربوع الحضارة أمست محط
النشور ومنتجع الأضبع
وإن ابن آدم شر الضواري
إذا هاجه هائج المطمع

فإن هذه الأبيات تُصوِّر البلايا والفظائع التي تعاني منها الإنسانية من الشرق إلى الغرب، ومن الجنوب إلى الشمال، وتصف محن الناس من بؤس وجوع وخوف في مختلف أجزاء العالم، بما فيها من الدول الإسلامية والأوروبية والإفريقية، فكأن الإنسانية قد ماتت، وانتشرت الذئاب الضواري، وعمّ الاستبداد والأنانية، وزالت القيم الإنسانية، وفُقِدت المثل الخلقية، وحلَّ محلها الظلم والعدوان، والاعتداء والاحتلال، والخداع والمكر والنفاق، وغابت الفضيلة والسعادة، وحلت محلها الرذيلة والشقاء، وعمَّ الجشع والحرص والطمع، وارتفعت معاني الإيثار والتضحية، وتُشَاهد مشاهد التحارب والتناحر، يقتل القويُّ الضعيفَ، وتجري صراعاتٌ مسلحةٌ بين المعسكرات العالمية، والكتل السياسية، وتتنافس القوي الاستعمارية الغربية في الاستعمار والاستعباد، والغلبة والسيطرة على العالم، واخترعت أسلحة جديدة فتاكة كيماوية ونووية متطورة، تدمر العالم في ثوان ودقائق و. و. و…

فكإن الزمان قد استدار كهيئته في القرن السادس المسيحي، والعالمُ اليوم واقفٌ على مفترق الطرق مرة ثانية، ففي هذا الوضع يقف العرب، وهم أمة الهداية والقيادة، والإرشاد والإنقاذ، أمام خيارين، كما كتب الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي في كتابه الشهير”ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين”:

“إما أن يتقدم العرب – وهم أمة الرسول وعشيرته – إلى الميدان، ويغامروا بنفوسهم وإمكانياتهم ومطامحهم، ويخاطروا فيما هم فيه من رخاء وثراء، ودنيا واسعة، وفرص متاحة للعيش، وأسباب ميسورة، فينهض العالم من عثاره، وتتبدل الأرض غير الأرض، وإما أن يستمروا فيما هم…. فيبقى العالم في هذا المستنقع الذي يتردى فيه منذ قرون”.

ويقول: “إن العالم لا يمكن أن يصل إلى السعادة إلا على قنطرة من جهاد ومتاعب يقدمها الشباب المسلم، إن الأرض لفي حاجة إلى سماد، وسماد أرض البشرية الذي تصلح به وتنبت زرع الإسلام الكريم، هي: الشهوات والمطامع الفردية التي يضحي بها الشباب العربي في سبيل علو الإسلام وبسط الأمن والسلام على العالم، وانتقال الناس من الطريق المؤدية إلى جهنم، إلى الطريق المؤدية إلى الجنة، إنه لثمن قليل جدًّا لسلعة غالية جدًّا!!”.