كسب القلوب أولى من كسب المواقف

حاجة تنمية بذور الخير في القلوب
7 أغسطس, 2024

كسب القلوب أولى من كسب المواقف

محمد خالد الباندوي الندوي

أخي العزيز!

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إن الإنسان -أيها الأخ -مُعرّض لأحوال متقلبة، ومواقف متباينة، فيواجه في حياته أصدقاء يوافقونه ويرتضون برأيه ويؤيدون مذهبه، ويصوّبون موقفه، فيتشجع ويمضي في إرادته قدمًا، وأحيانا يجد من يخالفونه ويعارضون رأيه ويخطؤون مذهبه فيعتريه اليأس ويفقد ثقته ويتنازل عن موقفه، ويفشل في إمضاء إرادته، وربما تغلب عليه الحدة في إثبات رأيه، ويشتد في بيانه ويحسب رأيه صوابا فيتخذ موقف المهاجمة على معارضه، ليكسب الموقف ويحرز قصب السبق في الجدال، وقد يحالفه التوفيق في ذلك وينتصر ولكن بإصابة الجروح في القلوب الكثيرة، وفقد الاصدقاء الأوفياء، لأنه ينسى -في كثير من الأحيان-ما عليه من المسؤولية كصديق أو كفرد من أفراد المجتمع والأمة. فيكون ظاهر انتصاره -في مثل تلك المواقف-فشلا في الواقع، ويكون الظفر في المعركة سببا لهزيمته في المجتمع الإنساني.

وإذا قمنا بدراسة حياة الصالحين من علماء الأمة، الذين نعتز بهم ونفتخر بمآثرهم ونشيد بمحامدهم في التاريخ الإسلامي نجد أنهم عرفوا تلك الحقيقة فآثروا كسب القلوب على كسب المواقف، وإليك قصة جميلة رائعة ترشدنا إلى أهمية كسب القلوب:

“يحكى أن يونس بن عبد اﻷعلى – أحد طلاب اﻹمام الشافعي – اختلف مع اﻹمام محمد بن إدريس الشافعي في مسألة أثناء إلقائه درسا في المسجد…!!

فقام يونس بن عبد اﻷعلى مغضبا، وترك الدرس، وذهب إلى بيته…!!

فلما أقبل الليل، سمع يونس صوت طرق على باب منزله…!!

فقال يونس: من بالباب…؟

قال الطارق: محمد بن إدريس…!!

قال يونس: فتفكرت في كل من كان اسمه محمد بن إدريس إلا الشافعي…!!

قال: فلما فتحت الباب، فوجئت به…!!

فقال اﻹمام الشافعي: يا يونس تجمعنا مئآت المسائل، وتفرقنا مسألة”…؟!!

فقد عرفت -أيها الأخ-طريقة السلف في الجدال والنقاش، أنهم يؤثرون استرضاء القلوب، ويتجنبون -جهد طاقتهم -من إيذاء الأخرين حتى ولو كان تلميذا لهم، فحققوا -بصفتهم تلك -انتصارًا كبيرًا في معركة كسب القلوب، ونالوا -بسنتهم تلك-موقف الزعامة والإمامة في كل مجال، فظاهر الهزيمة أكسبهم المودة في القلوب.

فلا تحاول الانتصار- أيها الأخ- في كل الاختلافات، واجعل أمام عينيك دائما أن كسب القلوب -أحيانا-أولى من كسب المواقف…!! وحاول أن تكون جسور المودة قائمة بينك وبين أخيك، وأن تكون حبال ودادك موصولة، فربما تحتاجها للعودة يوما ما…!!

وماأحسن من قال:

“دائما…اكره الخطأ، لكن لا تكره المخطئ، ابغض بكل قلبك المعصية، لكن سامح وارحم العاصي…!!انتقد القول، لكن احترم القائل…!! فإن مهمتنا هي أن نقضي على المرض، لا على المرضى…!! لا تحاول أن تكون مثاليا في كل شيء، لكن، إذا جاءك المهموم…انصت…!! وإذا جاءك المعتذر…اصفح…!! وإذا قصدك المحتاج…انفع…!! وحتى لو حصدت شوكا يوما ما، كن للورد زارعا”…!!

×