جيلنا الجديد في حاجة إلى إيمان جديد

من دروس الهجرة
21 أغسطس, 2022
نقاط مهمة ولكن مهجورة!
7 سبتمبر, 2022

جيلنا الجديد في حاجة إلى إيمان جديد

محمد الحسني رحمه الله

الدين خرافة، الدين زي قديم لا يصلح لأبناء هذا العصر، الدين مذهب فردي وسلوك شخصي، لا دخل له ولا تأثير في الأخلاق والحياة العامة، الدين يعادي المدنية والحضارة، والعلوم والآداب، يدعو إلى الماضي بينما العلم الحديث والمدنية الحديثة تتطلع إلى المستقبل، وتستوحي نهضتها من صميم حياتها!

إن هذه الأفكار ومثلها تملأ أذهان كثير من شبابنا اليوم، شبابنا الناهض المثقف، والذنب في ذلك يرجع إلينا إذ لم نستطع أن نكون عقلية الجيل الجديد تكوينًا إسلاميًا وتنشئتها على الإيمان بالله، وحب الدين وإجلاله بل إننا جعلناها – بالعكس – عرضة للأخطار من كل جانب، ولقمة سائغة لكل ناهب وغاصب.

إن تكوين العقلية وتربية الفكر شيء خطير يجب أن نحسب له كل حساب، ونضعه في رأس قائمة حاجات الأمة، إن شبابنا يملك كل خير وصلاح ونحن نسأل عنه يوم القيامة أمام الله.

الشيء الأول الذي يفرضه علينا الإسلام في هذا المجال هو أن نربى جيلنا الجديد تربية تغرس فيه الإيمان بالله وحبه والاعتزاز بدينه، ويهمين هذا الشيء على سائر مراحل الدراسة من الثانوية إلى الجامعة ويكفي لذلك تعديل طفيف في مناهج الدراسة أو إدخال بعض دروس توجيهية ومحاضرات يلقيها المدرس يومًا في الأسبوع أو مرة في الشهر، فإذا أردنا يومًا في جد وإخلاص أن نقوم بتكوين عقلية شبابنا وتطويرها في ضوء الإسلام وجب علينا أن نعيد النظر في جهازنا التعليمي والتربوي بأسره، ونضعه في صورة يغلب عليها هذا الطابع الجديد، ويسري في جميع أجزائه، ووسائله وأدواته، لأن الإيمان بالله ليس مجرد كلام بسيط ليس له كبير معنى أو كبير تأثير بل أنه غاية كل مسلم وهدفه الأول والأخير.

الإيمان بالله هو الحد الفارق الذي يميز الشعب المسلم الذي غايته الله عن شعوب العالم الأخرى التي غايتها المادة والقوة واللذة، إنه يميز سلوكه عن سلوكها، وحياته عن حياتها، وأغراضه عن أغراضها، وطابعه عن طابعها، وأساليبه عن أساليبها، إنه هو شعب ممتاز بعثه الله ليخرج الناس من عبادة الناس والمادة إلى عبادة الله وحده ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ويأخذ بيد الإنسانية المحتضرة، ويرفعها عن حضيض المادة والشهوة إلى طلب الله سبحانه، ويجعلها جديرة بحبه ورضوانه، ويفطمها عن الملذات المادية الحقيرة لتذوق لذة الحب، وحلاوة الإيمان وتعرف سر طلاوة الحياة الضائعة، وطمأنينتها المفقودة رغم كل الوسائل المادية، وأسباب الراحة والرخاء.

وهذا الإيمان بالله يقتضي طبعًا ثورة في تفكيرنا وتجديدًا في مناهج الدراسة وأساليب التربية وأصول التعليم واتخاذ خطوات جريئة حاسمة لتطوير هذه المناهج تطويرًا لائقًا يؤدي إلى الغرض المقصود، ويغير تلك المبادئ التي استوردناها من الغرب على حين غفلتنا بمبادئ أسمى وأفضل، مبادئ الإسلام الذي آمنا به عقيدة ودستورًا ونظامًا، حتى تكون هذه المناهج صالحة لأغراضنا، تشب فيها أولادنا على حب الإسلام وما فيه من قيم وأقدار، ومبادئ وتشريعات ومقت الفلسفات المادية: فلسفات القوة والمادة واللذة والغلبة على الضعيف على اختلاف الأسماء والألوان والشعارات، وكراهة الدعوات الفاجرة وما فيها من تفسخ وميوعة وانحلال، وتجريح لكرامة الإنسان، وهبوطه عن المستوى اللائق به، وإذا خاف بعض المخدوعين هنا وهناك أنها دعوة رجعية وخشوا أن تلتصق بهم هذه التهمة، وتخجلهم في مجمع الدول “المتقدمة” فعليهم أن يفتحوا عيونهم، ويصغوا آذانهم ويعلموا أن تلك الحضارة التي نعظمها ونفتخر بتقليدها في الشرق أصبحت حضارة مفلسة منهارة عند كثير من كبار المفكرين والباحثين، والاجتماعيين في مركز هذه الحضارة ومهدها.

كتب عالم أمريكي كبير شغل منصب مدير علوم العمران في جامعة هارفارد في مقال له بعنوان Social and Culturul Dynomics قال فيه: “إن العالم الجديد الذي ننتظره سيكون أسوأ حالاً من هذا العالم القلق المضطرب، فإنه تتغير فيه القيم والموازين والاعتبارات تغييرًا كليًا حتى تحل ضخامة الأشياء وعددها وقدرها محل الجمال العاطفي، ويحل “الجسيم” محل الجميل والأشياء السخيفة التي ترضى ذوق العامة محل الفن الرفيع، والظاهر الأجوف الخلاب محل الأقدار الداخلية، واللباقة محل العبقرية، والتقليد محل القوة الخلاقة والخبر المثير محل الحقيقة الثابتة، والقوة العملية الخارقة محل البصيرة السليمة النافذة، إلخ”.

إن الالتجاء بهذه السفينة الغارقة، سفينة الغرب المحطمة يغرقنا مع المغرقين، فعلينا أن نهجر تبعية الغرب في التفكير والتعليم والتربية، ونضع مناهجها بحرية حسب ما يملي علينا الإسلام وتفرضه علينا النتائج والمشاهدات التي لا مرية فيها.

إن الإيمان أساسنا ودعامتنا، وسرقوتنا، وكل تعليم وتربية لمواجهة الحقائق، وقدرة على استعادة مكانتنا تحت الشمس، وهي مكانة سامية يقول عنها القرآن “كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ” [آل عمران:110].

أما إذا اعتقدنا أننا نستطيع محاربة الغرب بتعليمه وثقافته أو نستطيع أن نحاربه – في تعبير أصح وأفصح – بمخلفات فلسفته وفتات أفكاره فذلك وهم وخيال، وضرب من المحال، إننا لا نستطيع أن نهجم على حضارة الغرب ونقاوم غزوه الفكري وننتصر عليه بإذن الله إلا بالإيمان الذي أفلس فيه الغرب إفلاسًا شائنًا وذلك هو السلاح الوحيد، السلاح الأكيد، السلاح المضمون الذي نستطيع به تصحيح التاريخ، وتغيير اتجاه الإنسانية وتحويل قيادتها من أيد خائنة أثيمة، إلى أيد مؤمنة بريئة، أحسنت قيادتها في أحط الأدوار وأقسى الظروف، وأرست سفينتها المتلاطمة في الأمواج الثائرة والرياح العاتية على بر الأمان.

كان كل ذلك بفضل الإيمان، الإيمان بالله والإيمان بوعده ونصره، والإيمان برسالته، إننا لا نحتاج إلى أن نستورد هذا الإيمان من الخارج، ولكننا نحتاج بلاشك أن نخلصه من ركام الأفكار الغربية والعلوم العمرانية الغربية المادية التي حشدناها في نظامنا التعليمي والتربوي من غير أن نميز الخبيث من الطيب والضار من النافع بل أخذناها صورة طبق الأصل كما أخذنا العلوم الطبيعية والتطبيقية، أو كما أخذنا الآلات والماكينات.

إننا لم نفرق بين الفلسفات والآلات، ولم نميز بين الوسائط والغايات، ولم نميز بين العلوم الطبيعية التي ظهر فيها العلم مجردًا من النزعات والعقيدة، وبين العلوم العمرانية والفلسفات الاجتماعية التي سيطرت عليها نزعة الغرب المادية بل كان نصيبنا من ثقافته وأفكاره أكثر من نصيبنا من علمه وصناعاته فكان ذلك جناية على أنفسنا وعلى فلسفتنا وعلى العالم في وقت واحد.

فإذا شئنا أن نتحرر من عبودية الغرب الفكرية وتبعيته الثقافية كما تحررنا من عبوديته السياسية، فعلينا أن نستعرض مناهجنا التعليمية والتربوية استعراضًا جديدًا ونصوغها صوغًا جديدًا يعيد إلى جيلنا الجديد إيمانه المفقود بالله وثقته الضائعة بوعده ونصره ورسالته وشخصيته، ويجعله عونًا على الحق، حربًا على الباطل مؤمنًا بالله كافرًا بكل ما عداه، مستخفًا بمظاهر المال والثراء والرعب والجاه، وحينئذ يدرك نظامنا التعليمي والتربوي غايته ويحقق هدفه، وينشئ الجيل الإسلامي الجديد الذي ليس حاجة البلاد الإسلامية فحسب بل حاجة الإنسانية كلها(كجلة البعث الإسلامي، فبراير، 1962م).

×