دور السلوك الحسن في كسب القلوب
2 أغسطس, 2022جيلنا الجديد في حاجة إلى إيمان جديد
21 أغسطس, 2022من دروس الهجرة
محمد وثيق الندوي (مدير التحرير)
إن الدروس المستفادة من الهجرة النبوية المباركة كثيرة جدًا، لا تعد ولاتحصى، لأنها الفارق بين الحق والباطل،وبين الظلام والنور، وبين الإيمان والكفر، وبين الخير والشر، وبين العدل والجور،وبين عباد الرحمن وعباد الشيطان، وبين الفضلية والرذيلة، وبين البناء والتدمير، والحديثُ عنها يطول ولا يتسع له المقام في صفحات أو كلمات، لأن الهجرة النبوية المباركة أودعت ضمير الزمان مبادئ ومثلاً، شرفت بها الإنسانية، وسعد بها الإنسان، حيث هانت الحياة حين عزّت العقيدة، وصغرت الدنيا حين عظم المقصد، ونبل الهدف، ووسعت الغاية، فما قيمة الحياة بدون هدف كريم، وغناء الدنيا بدون شرف؟!.
وأساس الحياة هي العقيدة،وبدونها يكون الذل والصغار، والمهانة والهوان، والجبن والخور، والشقاء والحرمان، وإن شرف الدنيا أن يعمل الإنسان على إقالة العثار، وإغاثة المظلوم، ونجدة الملهوف، ويعين على نوائب الحق.
وتحمل الهجرة النبوية المباركة سائر معاني الصبر والاحتمال، والتضحية والإيثار، والثبات على المبدأ والعقيدة، وعدم التفريط والتقصير في الهدف، والحياة الشريفة العزيزة،أو الموت في طريق المبدأ السامي النبيل.
لقد قضى الرسول صلى الله عليه وسلم 13 سنة في إعداد أصحابه، وتزكية نفوسهم، وشحذ أذهانهم، وصقل عقولهم، وتربيتهم على مبادئ الإسلام وتعاليمه وأخلاقه، وسلوكه، وشحن بطاريتهم بعقيدة التوحيد، والإيمان بالله و الثقة به، والرجوع إليه والاستعانة به في كل صغير وكبير، ولما ترسَّخ هذا المبدأ في النفوس والأذهان، وثبت أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم على إيمانهم ثبات الجبال الراسيات، وقهروا الشرك وأهله، وتغلبوا على جميع رموز الباطل والطاغوت وعتاة المشركين الذين لم يتركوا وسيلة من وسائل الترغيب والترهيب والاعتداء والتهديد إلا وسلكوها لزعزعة إيمانهم، وتحويلهم عن دينهم الحنيف، جاءت الهجرة النبوية المباركة، فكانت بأمر الله تعالى فتحاً للإسلام، حيث توسع نطاقه في المدينة، ثم حصلت انتصارات باهرة وفتوحات واسعة، ودخل الناس في الإسلام أفواجاً، بل تغيرت خريطة العالم في ظرف10سنوات.
فنتعلم من الهجرة المباركة أنه لابد قبل بدء العمل من تحديد الهدف النبيل أولاً، والإعداد واتخاذ الوسائل الممكنة ثانياً؛ من الصبر والقوة، والجلادة، وتحمل المشاق والمرائر في سبيل تحقيق الهدف المنشود، كما تلقن الهجرة أن لا نلتفت يميناً وشمالاً خلال الإعداد والتربية مهما كان نوع الإغراء والتهديد،ونركز عنايتنا وجهودنا على الهدف المطلوب بغاية من الجدية والصرامة، ولا نتأثر بالإغراءات أو الشائعات والتهديدات، كما فعل الرعيل الأول في العهد المكي ففازوا بالقدح المعلى.
إننا نرى اليوم النظرة المادية البحتة قد طغت وسيطرت على النفوس والدول، فينظر الكثيرون إلى القوة العالمية على أنها الدولة العظمى الوحيدة في العالم، فنرى كثيرًا من دول العالم تخضع لسيطرتها وقوتها العسكرية المادية رغم ما تعانيه من أزمات اقتصادية، ومشاكل اجتماعية، ومن تفسخ وانحراف في الأخلاق، وتفكك وفوضى في الأسر والبيوتات وشذوذ جنسي في كنائسها، ودعارة يمارسها أساقفها،وتنفذ رغباتها وإملاءاتها ولو على حساب عقيدتها، كما نجد القوى العالمية -تحت تأثير اللوبي الصهيوني وسيطرته- تعمل على ضرب الإسلام والمسلمين، وتدعم إسرائيل المعتدية المنتهكة لجميع المواثيق الإقليمية والمعاهدات الدولية والاتفاقات العالمية على حساب الدول العربية والإسلامية والشعب الفلسطيني كما وقع أخيرًا في غزة المحاصرة من غارات جوية إسرائيلية أسفرت عن سقوط ضحايا وإصابات وتدمير عدد من البنايات السكنية للشعب الفلسطيني، وتوحى القوى العالمية إلى الحكومات العربية والإسلامية بالتضييق على العاملين في مجال العمل الإسلامي وتحديد الأنشطة الدينية، كما تكشف وثائق وتقارير صحفية عالمية، فكأنما قد عادت حالة الاستضعاف التي كان المسلمون عليها في مكة قبل الهجرة نظرًا إلى الوضع المأساوي الذي يعيشه المسلمون في العالم كله.
فكأن الزمان –كما قال الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي في خطاب له، وهو يصور العرب-” قد استدار كهيئة يوم بعث الرسول ووقف العالم على مفترق الطرق مرة ثانية إما أن يتقدم العرب ـ وهم أمة الرسول و عشيرته ـ إلى الميدان، ويغامروا بنفوسهم وإمكانياتهم ومطامحهم ويخاطروا بما هم فيه؛ من رخاء وثراء، ودنيا واسعة، وفرص متاحة للعيش، وأسباب ميسورة، فينهض العالم من عثاره، وتتبدل الأرض غير الأرض، وإما أن يستمروا فيما هم فيه؛ من طمع وطموح، وتنافس في الوظائف والمرتبات، وتفكر في كثرة الدخل والإيراد، وزيادة غلة الأملاك وربح التجارات، والحصول على أسباب الترف والتنعيم، فيبقى العالم في هذا المستنقع الذي يتردى فيه منذ قرون”.
إن العالم لا يسعد وخيرة الشباب في العواصم العربية عاكفون على شهواتهم، تدور حياتهم حول المعدة والمادة لا يفكرون في غيرهما ولا يترفعون عن الجهاد في سبيلهما. إن العالم لا يمكن أن يصل إلى السعادة إلا على قنطرة من جهاد ومتاعب يقدمها الشباب المسلم، إن الأرض لفي حاجة إلي سماد، وسماد أرض البشرية الذي تصلح به وتنبت زرع الإسلام الكريم، هي الشهوات والمطامع الفردية التي يضحى بها الشباب العربي في سبيل علو الإسلام وبسط الأمن والسلام على العالم وانتقال الناس من الطريق المؤدية إلى جهنم إلى الطريق المؤدية إلى الجنة”.
إن هذه الحالة الحرجة المبكية التي يعيشها المسلمون اليوم،لن تدوم إذا قاس المسلم الأمور بالنظرة الربانية؛ لا بالنظرة المادية، لأن النظرة المادية لا تغني ولا تسمن من جوع، فمن هنالك يتحتم على المسلم أن يعتصم بالنظرة الربانية مع الصبر والثبات والثقة بالله في ما ينوبه من مصائب وأزمات ومشاكل، لأن القوة لله جميعاً، فخرج الرسول صلى الله عليه وسلم سالماً من الفئة المهاجمة المباغتة التي جاءت لقتله، بعون الله، وخاب العدو في مسعاه الخبيث، وإن القوة هي قوة الإيمان وقوة الوحدة، ولله جنود السماوات والأرض، فلا أمريكا ولا إسرائيل، ولا غيرها تدوم، ولكن الصراع بين الحق والباطل موجود، وإن الباطل سيزهق، إن شاء الله، فلا مجال لليأس والقنوط والإحباط، والتاريخُ يؤيد ذلك، فأين فرعون؟ فأين هامان والجنود ؟ وأين لينين وستالين؟ وأين هتلر ومسوليني؟ بل أين انجلترا التي كانت لا تغيب الشمس عن مستعمراتها؟ وأين فلان وفلان …..
وإن المشاكل والنكبات والنكسات التي أصيب بها المسلم اليوم لا يمكن الخروج منها إلا بالهجرة، ولكنها لا تكون إلا إلى دين الله، لا إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، إنها الهجرة من بيئة فاسدة إلى بيئة صالحة، ومن مألوفات كريهة إلى عادات حسنة وغايات طبية، ومن حياة الترهل والترف والقناعة بسفاسف الأمور والرضى بالدون والانسجام مع كل شر وبلية، إلى حياة الجد والصرامة، والغيرة والحمية، وإلى القيام بعظائم الأمور، والصمود في كل عدوان وعصيان، بالصبر، والقوة الإيمانية، والرجوع إلى مصدرى القوة والإيمان بإيمان وإخلاص صادقين، وهما الكتاب والسنة،وقد ورد في الحديث النبوي الشريف: ” تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما ان اعتصم بهما كتاب الله وسنة رسوله”.
فعلينا أن نتسلح بسلاح الإيمان فهو أقوى سلاح، وبه يتحقق وعد الله للمؤمنين بالنصر)وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فاولئك هم الفاسقون( [ النور55] )ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون ( [المنافقون:8].
فالعام الهجري الجديد يتطلب منا هجرة جديدة صادقة فهل نحن فاعلون؟