بين ابن الملك والعجوز
26 يوليو, 2021السعي هو البوابة الحقيقية للأحلام
29 سبتمبر, 2021السلطان الذي رفضت شهادته
محمد خالد الباندوي الندوي
أخي العزيز
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن التاريخ الإسلامي يزخر بروائع تفوق الحسبان، وبدائع لا يجود بمثلها الزمان، فإنه حديقة غناء للقيم الإنسانية يفوح منها شذى العدل والحرية،وجنة للمثل الخلقية الطاهرة يتضوع منها عبير التواضع للعلم والخشوع للمعرفة الربانية،وذلك حينما كنا شداة العلم والمعرفة،وكانت للشعائر الإسلامية عندنا تجلة وإكرام، يوم كان لنا من أماثل العلماء وأجلة القضاة العادلين الذين كانوا لا يهابون في سبيل الحق لومة لائم ولا يخضعون لطغيان طاغ،ولهم في قلوب العباد من الهيبة ما لا يملكه السلطان في وقته.
نحن نقدم لك هنا من صفحات تاريخنا المشرق قصة تصدق ما نقول،إنها قصة بطل من أبطال التاريخ الإسلامي الذي لقب بصاعقة الإسلام لشدة بأسه في الحرب و”سلطان الروم” لهيبته التي ملأت قلوب أعداء المسملين في الروم،والذي أغار ذكره وأنجد في البلاد وألسنة العباد، وذاعت شجاعته في الآفاق،الفاتح العثماني الذي سجل انتصارًا ساحقًا على الجيوش الصليبية،هل تعرف أيها الأخ من هو ذلك البطل ؟.
إنه الغازي بايزيد خان الأول بن مراد السلطان العثماني الذي رفضت شهادته في المحكمة،وما كان منه إلا الخضوع لأمر القاضي واعترافه بالحق دون استكبار، فهل يقدر تاريخ غيرنا أن يقدم مثالا واحدا لجرأة القاضي وتواضع السلطان مثل تاريخنا، إقرأ القصة بتمامها كما سجلها المؤرخ العثماني عثمان نزار في كتابه “حديقة السلاطين” .
“استدعى القاضي «شمس الدين فناري» السلطان العثماني «بايزيد» الأول للإدلاء بشهادته، فلما دخل السلطان المحكمة ووقف أمام القاضي، وقد عقد يديه أمامه كأي شاهد عادي، رفع القاضي بصره إلى السلطان، وأخذ يتطلع إليه بنظرات محتدة، وقال له: «إن شهادتك لا يمكن قبولها، ذلك لأنك لا تؤدي صلواتك جماعة».
كانت مفاجأة كبيرة للسلطان وللحضور الذين اندهشوا من هذه الجرأة لدى القاضي، ولعلها أقرب إلى الإهانة أمام الناس، فتسمّر الحاضرون في أماكنهم، ينتظرون رد فعل السلطان، فما كان منه إلا أن استدار وخرج صامتًا من المحكمة بكل هدوء.
وأصدر السلطان بايزيد في اليوم نفسه أمرًا ببناء جامع ملاصق لقصره في بورصة، وعندما تم تشييد الجامع، بدأ السلطان يؤدي صلواته في جماعة.
لم يأت هذا القرار من القاضي عشوائيًا، وإلا لِمَ استدعاه وهو يعلم أنه لا يحضر صلاة الجماعة في المسجد! إنما هي قضية تربوية من الدرجة الأولى، كما حصل في قصة الخليفة عمر بن عبدالعزيز مع أهل سمرقند”.