شهر محرم الحرام

المظهر الخارجي
30 يوليو, 2020
الآمال وباء الأعمال
3 أكتوبر, 2020

شهر محرم الحرام

أخي العزيز

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كلما يطل علينا –أيها الأخ-شهر محرم من كل سنة هجرية يذكرنا هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من مكة حيث بلغ أذى قريش للرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه أقصى مداه، إلى المدينة حيث انتشر الإسلام بسرعة مذهلة بين سكانها من الأوس والخزرج، الذين كانوا لا يكادون يستريحون من حرب بينهم حتى تنشب أخرى، وقد انقسم اليهود حزبين، حزب مع قبيلة الأوس وحزب مع قبيلة الخزرج، وكان هدفهم تأجيج نار الحرب والاقتتال بين الأشقاء وحتى وصل إليهم الإسلام، فانتهى الاقتتال وخمدت نار الحرب الأهلية، وتكوّن بإسلامهم مجتمع إسلامي متآخ، وحلت المحبة والأخوة والتآلف والتآخي والمساواة والتضامن والتكامل والتكافل والوحدة، محل العداوة والعصبية، والتباغض، والتنافر والتناحر، والتحزب والتشرذم .

وإذ يحق للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن يحتفلوا بذكرى الهجرة العطرة، وأن يستعيدوا أحداثها اعتزازاً بالماضي المشرق والبطولة النادرة والتضحية المثالية فما ينبغي أن يقتصر المتحدثون في الاحتفالات على بيان جوانب من السيرة النبوية بكلمات ينتهي الانفعال بها بانتهاء المناسبة بل ويجب أن تترك أثراً إيجابياً في حياة المسلمين يحفزهم على معالجة قضاياهم ومشاكلهم بروح إسلامية .

إن الهجرة –أيها الأخ-منهج حياة ودين وتنبض بكل المعاني السامية التي يمكن إليها الاحتكام في المواقف والشدائد والخصومات، وإن الهجرة ترجمة صادقة للتضحية والفداء والاستماتة في سبيل نشر العقيدة والمبدأ وتبليغ الدعوة إلى الله وإلى الناس كافة، لأنها لم تكن هروباً وفراراً، ولكنها امتثال لأوامر الله، فهي شهادة إيمان وصدق للمهاجرين .

وإن الهجرة ليست هروباً من معترك الحياة، ولجوءاً إلى الكهوف والمغارات بل إنها رفض للنظام الجاهلي رفضاً باتاً، وإنكار لأسلوب الحياة المغاير للفطرة التي فطر عليها الإنسان، وإنها  إعلان بأن المسلم لا يستطيع أن يسالم الجاهلية في أي حال من الأحوال، والسيرة النبوية حافلة بأمثلة كثيرة لذلك، ولم تكن الهجرة إلا بعد أن اشتدت الوطأة، وضاقت علي المؤمنين أنفسهم ليتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم لدعوته الخالدة مقراً جديداً، وقاعدة جديدة تعلو منها راية الإسلام في الآفاق، وهكذا كان … فتحولت الهجرة إلى جهاد مرير دائم مع الباطل، ثم إلى الفتح المبين.

إن المآسي والنكسات التي نعاني نحن المسلمين منها لا يمكن الخروج منها إلا بالهجرة، الهجرة إلى دين الله لا إلى دنيا نصيبها أو امرأة نتزوجها، ويحلو لي أن انقل ما كتبه الكاتب الإسلامي القدير محمد الحسني رحمه الله في إحدى كلماته في “الرائد” الصادرة بندوة العلماء فكتب يقول:

“إنها الهجرة من بيئة فاسدة إلى بيئة صالحة، الهجرة من مألوفات كريهة إلى عادات حسنة وغايات طبية، الهجرة من حياة الصبر على الضيم والقناعة بسفاسف الأمور والرضى بالدون والانسجام مع كل شر،  إلى حياة الغيرة والإيمان والصبر والحق، وإلى القيام بمعالي الأمور والوقوف في وجه كل عدوان وعصيان، إلى منابع القوة والحياة”.

وتحمل الهجرة لنا دروساً كثيرة نافعة، منها أن لا نسالم الجاهلية في أي شكل من الأشكال، ولا نتفاهم معها على أي صعيد، ولا نميل إليها في جانب من جوانب الحياة، ومنها أن لا تكون هجرتنا ذريعة إلى الحياة الآمنة الوادعة، بل تكون هجرتنا منطلقاً جديداَ لدعوتنا الحقة ومجالا واسعاً لكفاحنا وجهدنا، وإن الحفاظ على الشخصية الإسلامية وأصالتها وخصائصها وسماتها أفضل غاية لينشدها المسلم، فليكن العام الهجري الجديد حافزاً لنا على طريق الإيمان ورضى الرب، وطريق حرب دائمة مع الجاهلية في سائر مناحي الحياة .

(محمد وثيق الندوي)

×