الرائد تدخل في عامها الواحد والستين
22 يوليو, 2019دولة لا تزال تخدع
7 سبتمبر, 2019مفهوم الحرية في الإسلام
لم يشهد العالم في تاريخه الطويل الحافل بالأحداث والوقائع المثيرة للدهشة والداعية للتفكير، ما شهد في عهد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه،في عصر كان لا يعرف المصطلحات الشائعة اليوم من الديمقراطية والعلمانية واللبرالية والاشتراكية والحرية وحقوق المرأة وحقوق الإنسان.
في عصر كانت فيه الدولة الإسلامية من أقوى الدول التي كانت تبرز على خريطة العالم لا تعادلها دولة لا في القوة ولا في الهيمنة ولا في النفوذ.
في عصر كان لا يوجد فيه حاكم على وجه الأرض يقول لخليفة المسلمين سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن شيء فعله أو أمر أصدره “لِمَا”و”كيف” لأنه كان قد بلغ من القوة والهيمنة أنه كان يستطيع أن يبيد أصحاب الديانات المختلفة بأسرهم،ولا يستطيع أحد أن يقف في وجهه.
لا ينسى التاريخ ما وقع في سباق الخيل لابن عمرو بن العاص رضي الله عنه، قد روي “عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أتى رجل من أهل مصر إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقال : يا أمير المؤمنين عائذ بك من الظلم قال : عذت بمعاذ ، قال : سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته ، فجعل يضربني بالسوط ويقول : أنا ابن الأكرمين ، فكتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم عليه ، ويَقْدم بابنه معه ، فقدم ، فقال عمر : أين المصري؟ خذ السوط فاضرب فجعل يضربه بالسوط ، ويقول عمر : اضرب ابن الألْيَمَيْن ، قال أنس : فضرب ، فوالله لقد ضربه ونحن نحب ضربه ، فما أقلع عنه حتى تمنينا أنه يرفع عنه ، ثم قال عمر للمصري : ضع على صلعة عمرو ، فقال : يا أمير المؤمنين إنما ابنه الذي ضربني ، وقد اشتفيت منه فقال عمر لعمرو : مُذْ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ؟ (والجملة مشهورة بهذا اللفظ : متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ؟) ، قال : يا أمير المؤمنين لم أعلم ولم يأتني”.
هذه هي الحرية التي كان يتمتع بها كل من كان يعيش في ظل الحكم الإسلامي في الفترة التي كانت شمس الحرية قد غربت وغابت عن الأنظار في كل بقعة من بقاع العالم، وكان هناك نوعان للبشر إما سادة وإما عبيد ولا يعرف العالم غيرهما نوعاً، فلما جاء الإسلام عرف العالم لأول مرة معنى الحرية، ومعنى المساواة، ومعنى العدالة، ومعنى الإرث، ومعنى حقوق الإنسان، ومعنى حقوق المرأة، ومعنى كل ما ينادي به الغرب اليوم ويخدع به الشرق.
إن الكلمة الطيبة التي جاء بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هي التي رفعت العبد إلى أن يقول لسيده الذي ينهال عليه ضرباً بالسوط ويمزق به جسده ويجره مشدوداً بالحبل على الصخور الملتهبة بحرِّ الشمس، فيقول له بكل جرأة وبكل ثقة وبكل قوة وبكل اعتزاز: لا … لا …، ويرفض إلهه بأعلى صوته لأنه كان قد تحرر من كل قيد كان قد فرض عليه من سيده بمجرد نطقه بكملة “لا إله إلا الله” وبمجرد عبوديته لله وحده، لأن العبودية لله وحده هي مفتاح الحرية الحقيقية، فمن أخذ هذا المفتاح تحرَّر وساد.
ما الذي جعل صحابياً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو لا يملك مالاً ولا عقالاً وكان ممن يرعون الأغنام ويعيشون في الأكواخ ويربطون الأحجار بالبطون حتى لا يشعروا بالجوع، لكنه رغم هذا الفقر يدخل في بلاط قائد قوات الفرس وهو راكب فرسه وعلى رأسه مغفره ويتقدم إليه حتى يدنو منه، فينزل من فرسه ويربطه بإحدى وسائده ويرد على سؤاله “ما الذي جاء بك؟” قائلاً: “الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعتها”.
إن الإسلام الذي جاء ليحرر الإنسان من عبودية الإنسان طبق حرية العقيدة وحرية التفكير وحرية الاختيار، فقال الله عز وجل “أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين” ، “لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي”.
لكن الغرب بلغ من الجهل بالإسلام والحقد له أن رفض كل ما يتميز به الإسلام عن غيره من الأديان، فجعل يتهمه بسلب الحرية وتقليص الحرية وتقييد الحرية و.. و.. و..
إن الحرية التي يخدع بها الغرب الشرق هي حرية إما تلحق ضرراً بالفرد أو تلحق ضرراً بالمجتمع،أما الحرية في الإسلام فهي حرية تراعي الفرد والمجتمع معاً، يقول أحد المفكرين الإسلاميين وهو يعرف بالحرية في الإسلام فيقول:.
” ينظر الإسلام إلى الإنسان على أنه مدني بطبعه يعيش بين كثير من بني جلدته، أقر الإسلام الحرية لكنه لا يطلقها من كل قيد وضابط لأن الحرية بهذا الشكل أقرب ما تكون إلى الفوضى الذي تثيره الأهواء والشهوات، ومن المعلوم أن الهوى يدمر الإنسان أكثر مما يبني، ولذلك منع من اتباعه، فلم يقر الإسلام لأحد بالحرية دون الآخر، ولكنه أعطى كل أحد حريته كيف كان، سواء كان فرداً أو جماعة، ولذلك وضع قيوداً ضرورية تضمن حرية الجميع، وتتمثل الضوابط التي وضعها الإسلام في الآتي:
- أن لا تؤدي حرية الفرد أو الجماعة إلى تهديد سلامة الأمن وتقويض أركانه في البلد الذي يعش فيه.
- أن لا تفوت حقوقاً أعظم منها وذلك بالنظر إلى قيمتها وذاتها ونتائجها.
- أن لا تؤدي الحرية إلى الإضرار بحرية الآخر.
وبهذه القيود والضوابط ندرك أن الإسلام لم يقر الحرية على حساب الجماعة كما لم يثبتها للجماعة على حساب الفرد ولكنه وازن بينهما فأعطى كلاً منهما حقه.
جعفر مسعود الحسني الندوي