الشيخ محمد حنيف الغجرانوالوي الندوي

الدكتور أحمد أمين وأشهر أعماله العلمية والتاريخية والأدبية (3/ الأخيرة)
17 مارس, 2024
الشيخ السيد أبو الحسن علي الندوي وتأليفه “الطريق إلى المدينة” في ضوء حب النبي صلى الله عليه وسلم (1)
6 يونيو, 2024

الشيخ محمد حنيف الغجرانوالوي الندوي

مبين أحمد الأعظمي الندوي

الشيخ محمد حنيف الغجرانوالوي الندوي: صحفي، مؤلف، مترجم، فلسفي، خطيب، وذو بصر بالفقه والأدب والإنشاء، ومتميز في صناعة تفسير القرآن الكريم، وله شهرة بها. نال “وسام النجمة” تكريماً لخدماته العلمية والدينية من قبل حكومة باكستان. وكان يمتلك ناصية البيان باللغة العربية والأردية. كما أنه تعلم اللغة الإنكليزية فأتقنها وتمكن منها، وكان مشغوفاً بندوة العلماء، يقول في مقابلةٍ له أجراها معه سعادت سعيد: “في الجو العلمي لندوة العلماء الإنسان يكون دائماً في الأنشطة العلمية، يولي اهتماماً خاصاً بالعقلانية، ويخرج منها وهو ذو عقل مستنير، وغير متعصب”.

مولده ونشأته ودراسته:

ولد في 10 من يونيو سنة 1908م في أسرة ثرية دينية من غجرانواله في الهند غير المنقسمة (باكستان حاليًا)، عند ما بلغ الخامسة من عمره دخل في إحدى المدارس العصرية في بلدته وتعلم إلى الصف الرابع، وكان أبوه الشيخ نور الدين رجلاً صالحاً كثيرَ التلاوة للقرآن الكريم وقانعاً بما آتاه الله، ويختلف كثيراً إلى مجالس العلماء، فجعل ابنه يدرس عند العالم الشيخ إسماعيل السلفي، فقرأ عليه كتب النحو والصرف والأدب والمعقول، ورأى فيه أستاذه رغبةً صادقةً في طلب العلم، فأرسله إلى مدرسةٍ في دهلي، ولكن لم تعجبه تلك المدرسة لقلة بضاعتها في منهاجها التعليمي، فأذن له أستاذه أن يتعلم في دار العلوم لندوة العلماء، فاتجه إليها والتحق بها عام 1924م، وتخرج فيها عام 1930م، ومن أساتذته فيها: الشيخ حفيظ الله البندوي، والشيخ حيدر حسن خان الطونكي، والشيخ شبلي الفقيه الجيراجفوري، وسيد الطائفة العلامة السيد سليمان الندوي، والشيخ عبد الرحمن النغرامي، والعلامة الشيخ السيد علي الزينبي الأمروهوي، ومن المعلوم أن كل واحد منهم فارس في ميدانه ونجم في سماءه، وتراجمهم موجودة في تاريخ ندوة العلماء للأستاذ الدكتور محمد أكرم الندوي حفظه الله ورعاه.

في معترك الحياة:

إثر تخرجه في دار العلوم الندوة العلماء، عاد إلى غوجرانواله، ووقتذاك كانت حركة الاستقلال قائمةً على قدم وساق، فكان هو أيضاً يخطب ضد الاستعمار الإنكليزي، فألقي القبض عليه وحكم عليه بالسجن لمدة ستة أشهر، وبعد أن أفرج عنه أتى مدينة لاهور بإيعازٍ من الشيخ ثناء الله الأمرتسري رحمه الله، وعُين خطيباً في مسجد مبارك للكلية الإسلامية في شارع السكة الحديدية بلاهور، وكان يلقي فيه دروس القرآن الكريم كل يوم بعد صلاة المغرب، ويذكر أنه أدى هذه الخدمة من 1930م إلى 1949م أي زهاء تسع عشرة سنة متتالية، فانتفع به خلق كثير، وعمل مديراً للمجلة الأسبوعية “الاعتصام”، وظل يعمل فيها قرابة سنة ونصف. وفي 15/ مايو عام 1951م انخرط في سلك أعضاء “إدارة الثقافة الإسلامية” بلاهور، فكان يكتب في لسان حالها “الثقافة”، وهذه هي المجلة التي أخذت اسم “المعارف” فيما بعد.

أعماله الأكاديمية:

ترك لنا تآليف عديدة، من بينها تفسيره “سراج البيان” في خمسة مجلدات، وحسبه شرفاً أن تفسيره هذا لقي القبول والحفاوة من قبل دارسيه وتكررت طبعاته، وكان قد بدأ يؤلف كتاباً مبسوطاً باسم “لسان القرآن” على مفردات القرآن لغةً وشرحاً، ولكن أعاقه موته عن إكماله، فلم يطبع منه إلا مجلدان، أولهما من حرف الألف (أب) إلى الجيم (ج ي د)، والثاني من حرف الحاء (ح ب ب) إلى الدال (د ي ن)، ثم أضاف إليه الشيخ محمد إسحاق البهتي إضافات كثيرة.

ومن أعماله الآخرى: “مطالعۂ قرآن”، و”مطالعۂ حديث”، و”أساسيات إسلام” و”أفكارِ غزالي”، و”تعليماتِ غزالي” و”عقليات ابن تيمية”، و”أفكار ابن خلدون”، و”مسئلۂ اجتہاد” و”چہرۂ نبوت” أي وجه النبوة، وهو كتاب فريد على السيرة النبوية على صاحبها ألف ألف تحية وسلام، يأخذ المؤلف مواده من القرآن الكريم، ولكنه لم يكمله فأضاف إليه بعضَ الأبواب الشيخ محمد إسحاق البهتي، و”مرزائيت: نئے زاویوں سے” أي القاديانية: من زوايا جديدة، وهو في الأصل مجموعة مقالاته التي كتبها في مجلة “الاعتصام” كبحاً لجناح الفرقة القاديانية وتفنيداً لعقائدهم الباطلة، اعتنى بها ورتَّبها الشيخ محمد سرور طارق، كلها باللغة الأردية. أما الكتب التي نقلها من العربية إلى الأردية فهي: “المكتوب المدني” للشاه ولي الله الدهلوي، ترجمه باسم “مكتوب مدني”، و”مقالات الإسلاميين” للإمام أبي الحسن بن إسماعيل الأشعري، ترجمه باسم “مسلمانوں کے عقائد وأفكار” في مجلدين، و”المنقذ من الضلال” و”مقاصد الفلاسفة” للإمام الغزالي، الأول باسم “سرگذشتِ غزالي”، والثاني باسم “قديم يوناني فلسفه”، كما أنه لخص كتابه “تهافت الفلاسفة” وترجمه بالأردية بالاسم ذاته. وبالإضافة إلى ذلك، هناك كثير من مقالات له طبعت في جرائد ومجلات مختلفة.

وفاته:

توفي الشيخ محمد حنيف الندوي في ليلة يوم الأحد 15/ ذي القعدة سنة 1407هـ المصادف 13/ يوليو سنة 1987م في لاهور، ودفن في مقبرة كلفتن كالوني (شارع وحدة).

كان رحمه الله رجلاً صالحاً، عاملاً بالكتاب والسنة، وذاباً عن حوزة الإسلام، ومنقطعاً إلى العلم، ومكبا على الدراسة، ومنشغلاً بالترجمة والتأليف، وكان اسماً على المسمى، حنيفاً مسلماً، لا غرته الدنيا ولا عوَّقته زهرتها عن السير على المحجة البيضاء.

 

×