لنبدأ صفحة جديدة…..
1 أبريل, 2023طاب حيًّا وطاب ميتاً
3 سبتمبر, 2023ولكنه بنيان قوم تهدَّما
جعفر مسعود الحسني الندوي
“مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا” [الأحزاب:23] صدق الله العظيم.
فقدت الأمة الإسلامية أحد رجالها الأفذاذ الذين عاشوا حياتهم، ونذروا أنفسهم ومواهبهم وملكاتهم لله تعالى، ولنصرة دينه، والنهوض بأمته؛ وآثروا أن يعملوا في صمت، يبنون في هدوء، ويشاركون في صنع التاريخ، بعيدًا عن الأضواء والصخب الذي يصك الأسماع، والبريق الذي يخطف الأبصار، وجعلوا نصب أعينهم قول الله تعالى: “قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ” [الأنعام:162–163].
إنه عمُّنا العظيم سماحة الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي، الرئيس العام لندوة العلماء ورئيس هيئة قانون الأحوال الشخصية الإسلامية لعموم الهند ورئيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية، إنه رجل عُرِف بفكره المستنير، وعلمه الغزير، وأسلوبه الحكيم، وحلمه وأناته، وسلوكه وخلقه الحسن، ونصحه للجميع، وإرشاده وتوجيهه لكل من يحتاج إلى الإرشاد والتوجيه، ومعالجته للقضايا والمشاكل والأوضاع بحكمة بالغة، وموعظة حسنة.
هو رجل عُرِف بفراسته المؤمنة، وتشخيصه للأمراض التي أصيبت بها الأمة الإسلامية، وموقفه الصائب من الحركات الإسلامية ومناهجها، وقيادته الحكيمة للمنظمات والمؤسسات التعليمية والاجتماعية والدعوية، ودوره الكبير في وقاية الأمة من التشتُّت والتشرذُم في الهند، ومنهجه التربوي والتوجيهي الصامت الذي يلامس شغاف القلوب، دون أن يتفوه بكلمة، وإسهاماته المتنوعة في مجالات الفكر، والعلم، والأدب، والدين، والعمل، والسلوك، والدعوة، وتواضعه الذي رفعه الله به، وسعة اطلاعه على ما يتآمر العدو على الإسلام والمسلمين، ودقة معرفته للأحداث والتغيرات في عصره.
هذا هو الرجل الذي فقدناه، فقدناه ونحن في أشد حاجة إليه، لأنه قدم نموذجًا مثاليًا في كل مجال من مجالات الحياة الإنسانية، فكان عمًّا مثاليًا، وأبًا مثاليًا، وأخًا مثاليًا، ومعلمًا مثاليًا، ومربيًا مثاليًا، ومفكرًا مثاليًا، وكاتبًا مثاليًا، وموجهًا مثاليًا، وخالاً مثاليًا، ومعاصرًا مثاليًا، وزميلاً مثاليًا، وإداريًا مثاليًا، وقائدًا مثاليًّا، وجارًا مثاليًا، ومثاليًا في التعامل مع الآخر، ومثاليًا في السلوك مع من تحت أمره، ومثاليًا في التعامل مع الكبار والصغار، ومثاليًا في تبادل وجهات النظر وإبداء الرأي والاستماع للرأي المخالف، ومثاليًا في الرفق في التعامل حتى في المناداة بأحد من تلامذته، ومثاليًا في صفاء القلب، ومثاليًا في التنازل عن رأيه رغم صوابه تجنبًا الخلاف والصراع، ومثاليًا في عدم الشعور بالاستعلاء، ومثاليًا في الاستيحاش من الدنيا وزهرتها، ومثاليًا في البساطة في المعيشة، ويشهد بذلك كل من شاهده، أو جرَّبه، أو قضى ساعة معه.
وكان يؤدى دورًا مهمًا في ترشيد الحركة الإسلامية، وتربية الجيل، وتنبيه المسلمين، وتوجيه الحركات والنشاطات الإسلامية، وإرشاد الناس، من خلال كتاباته وكلماته ومقالاته وآرائه السديدة، ولكن تقدير الله تعالى شاء أن يلبي نداء ربه، فانتقل إلى رحمة الله تعالى، إنا لله وإنا إليه راجعون.
وما كان قيس هلكه هلك واحد
ولكنه بنيان قوم تهدما
ندعو الله تعالى له الأجر والمثوبة في الآخرة، وندعو أن ينزل عليه شآبيب رحمته، ويدخله الفردوس الأعلى من الجنة، ويلهم أهله وذويه والمتصلين به الصبر والسلوان، والله ولي التوفيق.