الصامدون في وجه الاستعمار (1)
4 أبريل, 2021وفاة الشيخ محمد علي الصابوني رحمه الله تعالى
4 أبريل, 2021شعائر الله تعالى وتعظيمها (4)
الصفة المميزة للإنسان:
إن المخلوقات التي خلقها الله تعالى، أنواع وألوان، لها طبائعها وخصائصها التي أودعها الله فيها، وهي مسخرة لما خلقت له، لا تنحرف عنه قيده شعرة، ولذلك لا تفكر هذه المخلوقات في كسب المزيد من المعلومات مكتفية بصلاحياتها الموهوبة، ولذلك نطاق عملها محدود، فكل مخلوق منها منصرف إلى أداء ما نيط به من وظيفة في الكون.
وقد جعل الله تعالى الإنسان من بين هذه المخلوقات مخلوقاً يحتاج في قضاء حياته إلى معرفة المعلومات والمعارف، وإن لم تكن هذه المعلومات حاصله له تذهب حياته سدى.
فمثلاً إذا لم نعرف كيف تُنتج وتُصنع الملابس، ومن أين تحصل الثياب، وكيف يحصل الغذاء ومن أين؟ وكيف يحصل الماء، أو تكون في مكان لا يوجد فيه الماء، ولا الغذاء، أو في مكان لا يوجد فيه شيء، ولا تعلم عنه شيئاً، ففي هذا الحال كيف تنال الطعام والماء، ومن أين تحصل، وكيف تحصل على الثياب، ومن الظاهر أنك لا تستطيع أن تفعل شيئاً في هذه الحالة.
فيتضح من ذلك أن نظام الحياة الإنسانية مربوط بالعلم والمعلومات، وبها يسير، وبالعلم يعرف الإنسان حاجياته ومقتضياته وغرضه، فكأن العلم أساس لحياة الإنسان، وأساس تفوقه وغلبته على المخلوقات الأخرى، وإلا فلا فرق بينه وبين الحيوان.
الفرق بين الإنسان والحيوانات الأخرى:
يمكن أن تفهم الفرق بين الإنسان والحيوان بأن الإنسان يحتاج في نيل قوته أو طعامه لوقت واحد، إلى أن يحصل على معلومات كثيرة، عليه أن يعرف ما هي الوسائل لنيل الطعام لوقت واحد، التي تعينه على كسب المال، ثم يحاول أن يعرف الأماكن التي يجد فيها مأكولات ومشروبات ملائمة لذوقه وطبيعته، ثم يتعلم طريقة صنع الطعام، ثم يطيبه ويحسنه فيأكل هنيئاً مريئاً.
وأما الحيوان فإنه لا يحتاج إلى شيء من ذلك في طعامه وشرابه، ولا يستطيع أن يختار وسيلة من الوسائل التي يختارها الإنسان بعقله وعلمه، لأنه لا يملك العلم والعقل، وحينما يحسّ بالجوع يأكل حيث يجد ما يأكله، وعندما يحس بالعطش يشرب الماء حيث يجده، مع أنه لا يعلم شيئاً، كيف يحصل على الماء، وكيف يحصل على الأوراق والأعشاب، وكيف تنبت الأرض العشب.
وهنا مخلوق آخر وهم الملائكة، خلقهم الله لعبادته وطاعته فقط، وليس غير، لا يفعلون شيئاً برائهم، بل هم مسخرون لما أمروا به من العبادة والطاعة: يقول القرآن: “لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون” [التحريم:6].
الغرض من تميّز الإنسان وتفوقه:
قد ميّز الله تعالى الإنسان من بين مخلوقاته الأخرى بالعلم والعقل، وأعطاه المعلومات للحياة الأخروية بجانب إعطائه المعلومات للحياة الدنيوية، ولذلك بعث فيهم الأنيباء والرسل، وأنزل من السماء الكتب، وفي ختام المطاف أنزل من السماء كتابه الأخير القرآن الكريم وهو صحيفة الهداية الربانية لسفينة النجاة الإنسانية كلها،ليستفيد من النعم والتسهيلات في العالمين الدنيا والآخرة.
منح الله تعالى الإنسان علم الحياة الدنيا وما يتعلق بها من معلومات، ليحقق حاجات حياته في الدنيا ومطالبها، ويعلم من أين يحصل على الماء، والغذاء، واللباس، وكيف يبنى المنازل والبيوت؟ فقد أعطاه الله صلاحية تحقيق هذه الحاجات بالاستفادة من علم الحياة الدنيا.
وأما الغرض من المعلومات المتعلقة بالحياة الأخروية، فهو أن يصلح الإنسان حياته ويزكيها في ضوء هذه التعاليم الإلهية، ويقضي حياته وفق رضا ربّه، ليفوز في الآخرة وينال كل ما يحتاج إليه في الحياة الآخرة.
الفرق بين النظام المادي والنظام المعنوي:
لا يمكن في الحياة الأخروية أن يزرع الإنسان ويغرس، وينبت العشب والغلة، ويغرس الأشجار والجنات، بل نظام الآخرة هو نظام سماوي مختلف اختلافاً كلياً عن النظام الأرضي.
وفي الحياة الدنيا تتحقق سائر ضروراتنا بالتراب، ومنه تنبت الغلة، وتخرج الأشجار، ومنه يخرج الحديد، والنحاس والمعادن الأخرى، ومن التراب يخرج البترول والديزل، والنفط والبنزين، ومنه ينبع الماء، فإن جميع أشياء حاجياتنا تتعلق بهذا التراب الحقير.
والنظام السماوي يختلف عن النظام الأرضي، وهو نظام روحاني ومعنوي وفي الآخرة يجد الإنسان جزاء لما عمله في الدنيا مهما كان عمله، كان اختار طريق الضلال والغواية، أو طريق الهداية والرشاد الذي بينه الله عن طريق إرسال الأنبياء والرسل، وخاصة أعطى الله تعالى هذه الأمة المحمدية الأخيرة والنبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم كتابه الخالد القرآن الكريم الذي هو نظام كامل شامل جامع للحياة الإنسانية.
محمد الرابع الحسني الندوي