الحاجة إلى ملأ الفراغ …

من تبادل التهم إلى الجد والصرامة والعمل
4 مارس, 2021
“إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”
23 مايو, 2021

الحاجة إلى ملأ الفراغ …

إذا استعرضنا ما يعانيه المسلمون اليوم في العالم من ذل ومهانة، وفتن كقطع الليل المظلم،اختلط فيها الحابل بالنابل،رغم أن عدد الدول الإسلامية أكثر من خمسين دولة، بعضُها تملك مناطق استراتيجية، وثروات معدنية وذخائر طبيعية، نصادف أن مرجعها إلى فقدان الغيرة الدينية، والحماسة الإيمانية،والعاطفة الإسلامية،واستمرار الانحطاط في الأخلاق والاجتماع والمثل والقيم الإسلامية في المجتمع الإسلامي،وقد تسربت إليه أدواء خلقية واجتماعية، كانت أهم أسباب انهيار الدول والأمم،  فكأن القلوب قد تحجرت، وماتت النفوس في مسألة الدين والأخلاق،وكثير من الزعماء والشباب الطامحين يعتبرون ما يعتز به المسلمون من عقيدة وإيمان وأخلاق ومبادئ، ركامات، قد فقدت قيمتها،وولَّى زمانها،إنهم يعتقدون أن الإسلام بطارية قد نفدت شحنتها.

إنها مزاعم لا صلة لها بالحقيقة،لأن الإسلام دين سماوي خالد باق إلى يوم القيامة “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ” (المائدة:3) وهو دين السيادة والقيادة والوصاية على البشرية،يستطيع في كل عصر ومصر أن ينقذ الإنسان الحائر،ويأخذ بيده من الغواية والتعاسة إلى الهداية والسعادة، ولكن الذنب على أتباعه الذين لا يزنون قوة الإسلام والإيمان بميزان صحيح أمين.

ومن طبيعة الإسلام يغلِب ولا يُغْلَب، ويعلو ولا يُعلى عليه، فيستطيع الإسلام اليوم أن يصنع عجائب كما صنع عجائب في الماضي، ويحل كل مشكلات الإنسانية،لأن كل مشكلات الإنسانية-كما أشار إلى ذلك الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي-نبعت عن عبادة النفس والشهوات، نبعت عن الأنانية والأثرة، نبعت عن النظر القاصر المحدود، نبعت عن الحزبية، نبعت عن شهوة الرئاسة،وحب الظهور، وإن الإيمان الصادق الراسخ يستطيع أن يتغلب على كل هذا، ويصنع من الأمة أمة جديدة، ومن البلدان بلدًا جديدًا، ولكن أين الذين هم يستطيعون أن يستخدموه في صالح الأمة الإسلامية وفي صالح الإنسانية؟

فالقضية قضية أتباع الإسلام والإيمان، ليست الإسلام والإيمان، فلا يوجد من يقوم بهذا العمل، مع أن العالم الإنساني الآن يلهث ويلهث، ويقول كما سيقول أهل جهنم: أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله،فإن العنصر المهم الذي نحتاج إليه اليوم –بالإضافة إلى الوسائل الأخرى الجديدة المتطورة- من أجل إنقاذ المجتمع الإسلامي أولاً، والمجتمع الإنساني ثانيًا، هو التحلي بالإسلام الحقيقي والإيمان الصادق، والعمل بمقتضياتهما من حياة التضحية والإيثار،والإباء والشمم، وأن تكون حياتنا مثالية في الأخلاق والسلوك والتعامل، وأن نثبت بأسلوب حياتنا، وبتسامينا عن الأغراض والأهواء: أننا أمة العطاء والهداية،لسنا أمة الأخذ والطلب.

فالفراغ الذي يوجد في  الأمة هوعدم وجود كوادر تحمل الرسالة، وتحمل السيرة و الأخلاق، وتمثل الإسلام بمعنى الكلمة، وتكون صاحبة العاطفة الإسلامية، والحماسة الإيمانية، وصاحبة الجد والصرامة والعمل، وصاحبة الإيثار والتضحية.

هذا هو الفراغ الوحيد الموجود اليوم، ولا يملأ هذا الفراغ إلا المؤمن الصادق اليقظ الواعي، فإننا بأمس حاجة إلى تحريك الإيمان في النفوس المسلمة، وإثارة الشعور الديني فيها، وذلك مع تحقيق الشروط والمواصفات التي نستحق بها النصر من الله، والتغلّب على المشكلات، والانتصار على العدو.

فلابد من القيام بدعوة إيمانية قوية بأسلوب معاصر تملأ نفوس المسلمين حماسة وعزيمة للعمل، وتحوِّلهم إلى قوة صامدة في وجه القوى الاستعمارية و العناصر المنحرفة والاتجاهات الملحدة، ولا تدع في نفوس المسلمين فراغًا تملؤه أفكار زائغة ودعوات منحرفة،والفراغ لا يبقى فراغًا مدة طويلة،ثم إن السيل لا يسده إلا سيل أقوى منه،فإذا لم تكن هناك دعوة إيمانية صحيحة سليمة، متحمسة قوية منظمة، لم يمكن صد الدعوات المنحرفة، والردة العقائدية والفكرية التي تخشى أن تكتسح العالم الإسلامي.

(مدير التحرير) محمد وثيق الندوي

×