مما لا ينتطح فيه عنزان ولا يختلف إثنان أن الغرور مرض خطير وآفة نفسية من العلل النفسية بل هو أشدها خطراً وأثراً وهو مرض اجتماعي مهلك هو والكبر أخوان، وقال الإمام الغزالي في الإحياء إن ادعاء شيء لا يوجد في غيره ليس بداخل في الكبر إنما الكبر نفخ بسببه يزعم الإنسان غيره حقيراً وهو إبداء الإنسان عظمته ورفع نفسه فوق اللازم وروي عن الإمام أبي حنيفة إن الكبر والظلم يجازان بتاني الدنيا والعقبى وهذا المرض المهلك يلحق بالإنسان الضرر على اختلاف أوضاعه ودرجاته وله أنواع وأقسام:
(1) الغرور بالحسب والنسب (2) والغرور بالذات (3) والغرور بالصوت (4) والغرور بالعقل والفطانة (5) والغرور بالثروة والغنى.
وهناك أنواع من الغرور لا حصر لها لكن كلها نقائص ومحرمات ورذائل مفسدة، للأخلاق،لا تحمل إلى صاحبها إلا الهزأ والسخرية فالمغرور في عن نفسه أعظم الناس وأنبلهم وليس له نظير ولا شبيه وهو في أعين الناس مخلوق مريض سخيف لا وزن له ولا وجود، ومغرور جامح قد تملك عقله الصغير وأعصابه الضعيفة تفكيره السقيم المعوج فليس لك إلا أن تسلم أمرك إلى باري الناس وخالق الكون عله يعطف على الجامع المغرور فيدرك قبل أن يؤدي غروره إلى سوء المنقلب وشر المصير، وكم من مغرور جامح سخيف قد أدى غروره إلى الخسارة وإلى الهلاك أنجانا الله منه جميعاً.
قد ذم الله عز وجل ونبيه الكريم المتكبرين والمغرورين شديداً في الكتاب والسنة فقد قال الله عز وجل، عن إبليس “أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ” [البقرة:34]، وقال إبليس متكبراً ومستدلاً بعلو مكانته على آدم وكبره، “خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ” [الأعراف:12، وص:76].
وقال الله عز وجل عن قارون وفرعون وهامان “وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (39) فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا” [العنكبوت:39-40].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر، وقال الله عز وجل “وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ” [البقرة:34، والإسراء:61، والكهف:50، وطه:116] مضى غروره يقوده من مصيبة إلى أخرى فطرده الله من رحمته وجعلة رجيماً.
وخير علاج للمتكبر والمغرور “كما كتب الدكتور أكرم الندوي أوكسفورد في صحيفة الرائد الإيمان بالله واليوم الآخر والتدبر في كتاب الله تعالى والنظر في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وسيرته وسيرة أصحابه والتابعين والحذر من الغفلة وقسوة القلب والسعي إلى المواظبة والمداومة على ذكر الله والتقرب بالطاعات والدعوات والتفكر في المصير” وعلاوة على ما سبق ذكره هو أن يتولى زملاءه ورفاقه أو ذووه تقويم شذوذه بلين ورفق ورأفة ويظهرونه على مدى ما يتعرض له من سخرية الساخرين وهزء الهازيين من جراء غروره البغيض فلعل ذلك يعيد إلى نفسه صوابها ويبصرها بحقيقة ذاتها فيعود إنساناً سوياً كسائر الناس.
محمد قيصر حسين الندوي