معالم الطريق إلى النجاة

زاد المؤمن في درب الحياة
22 نوفمبر, 2025
زاد المؤمن في درب الحياة
22 نوفمبر, 2025

معالم الطريق إلى النجاة

عبد الرشيد الندوي
عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: لقيتُ رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّم، فقُلتُ: ما النَّجاةُ؟ فقال: املِكْ عليك لِسانَك، وليَسَعْك بيتُك، وابْكِ على خطيئتِك.
تخريج الحديث: أخرجه الترمذي (2406)، وأحمد (22235)، وابن المبارك في الزهد والرقائق (134)، والطبراني (17/270) (741).
شرح الحديث: جمع النبي صلى الله عليه وسلم للسائل طريق النجاة في ثلاث كلمات، لكنها تفتح أبواباً واسعة من الهداية: ضبط اللسان، ولزوم البيت زمن الفتن، والبكاء على الخطيئة. وهي خلاصة منهج السلامة، وأصل الإصلاح والسلوك.
أولاً املك عليك لسانك: اللسان أسرع الجوارح إلى الزلل، ومضاره كثيرة، فهو باب الغيبة والبهتان، ومصدر الشائعات، ومفتاح الفتن، وسبب فساد القلوب والأحوال. وكلمة واحدة قد تهدم دين المرء أو تجرّ عليه عداوات وخصومات. وحفظ اللسان أن يُحبس عن الباطل، ويُصان عن اللغو، ويُوقف عند حدود الحق. ومن ملك لسانه سلم دينه، ومن أطلقه جرّه إلى موارد الهلكة ولذلك قد أكدت نصوص الكتاب والسنة عل الاعتناء بحفظ اللسان.
ثانياً ويسعك بيتك: لزوم البيت أيام الفتن ليس تركاً للواجبات، بل حماية للنفس من أمواج الشر. والفتنة إذا هبّت اختلط فيها الحق بالباطل، والحابل بالنابل وضعف فيها التمييز، فكان السلامة في ترك مواضع الريبة والبعد عن أماكن اللغط والخصومة. ومن أخطر المواضع الأسواق عند اضطراب الأحوال، ففيها اللغو والمشاحنات، وانتشار الأخبار بلا تثبت، وغياب السكينة. والعاقل إذا خاف الفتنة رجع إلى بيته، يشغل نفسه بالعبادة والتفكر ومحاسبة النفس.
ثالثاً وابكِ على خطيئتك: هذا أصل التوبة، وعلامة حياة القلب. فالقلب إذا قسا جفّت عينه، وإذا جفّت العين انطفأ نور الخشية. والبكاء على الخطيئة ليس مجرد دموع، بل شعور صادق بالتقصير، وتواضع بين يدي الله، وخوف من سوء العاقبة. وهذا الانكسار يحفظ القلب من الغرور، ويجعله أقوى في مواجهة الفتن، وأسرع إلى الطاعة، وأبعد عن الزلل.
فالحديث يقدّم منهج النجاة بطريقة واضحة: احفظ لسانك من الشر، وابتعد عن مواطن الفتنة، وأحي قلبك بالتوبة والخشية. ومن عمل بهذه الأصول الثلاثة كان أسلم قلباً، وأقوم طريقاً، وأثبت عند اضطراب الزمان.