العالم الأديب الدكتور نذير أحمد الندوي في ذمة الله تعالى
22 نوفمبر, 2025الدكتور نذير أحمد الندوي في ذمة الله
22 نوفمبر, 2025الشيخ نذير أحمد الندوي رحمه الله
د. محمد أكرم الندوي (أوكسفورد)
كان فقيدنا الدكتور نذير أحمد الندوي من أولئك العلماء الذين يمرّون في الحياة فيتركـون فيها أثرًا لا يزول، وإن لم يرفعوا أصواتهم أو يطلبوا لأنفسهم شهرةً أو صيتًا، عرفتُه منذ أيام طلبه في دار العلوم، فكان مثال الجدّ والوقار، لا يُسمع له لغو، ولا يُرى منه إلا الحياء والسكينة، وكان وهو شابّ بين أقرانه كالنخلة بين الشجيرات، سامقًا بطبعه، ثابتًا في أرضه، مثمرًا في عطائه، ولمّا قدّرت لي الأقدار أن أكون أستاذًا في ندوة العلماء، ازدادت صلتي به قربًا ومودة، فكنت أرى فيه صفاء القلب، وصدق النيّة، وحبّ العلم لوجه الله وحده. ثم تفرّق بنا الزمان، وانتقلتُ إلى بريطانيا، غير أنّ خيوط المودّة بيننا لم تنقطع، بل ظلّت تمتدّ على البعد، حتى زارني في أوكسفورد قبل خمسٍ وعشرين سنة تقريبًا، فسرّني أن أراه كما عهدته: وقورًا هادئًا، لا يغيّره الزمن إلا بمزيدٍ من النور والسكينة.
كان الشيخ نذير أحمد من طينة العلماء الذين يعملون في صمت، ويتركون للأيام أن تتحدث عنهم. لم يكن كثير الكلام، ولكنه إن تكلّم أصغى إليه الناس، لأن في حديثه حكمة الهدوء، وصدق الإيمان، ورزانة العارف بما يقول، عاش في ظلال ندوة العلماء، يدرّس ويعلّم، ويغرس في نفوس تلامذته حبّ العلم والخلق معًا، وكان، رحمه الله، يرى التعليم رسالة لا مهنة، وعبادة لا وظيفة، فكان طلابه يرونه أبًا ومربّيًا قبل أن يروه أستاذًا.
أعطاه الله سعة علمٍ في اللغة العربية وآدابها وعمق فهمٍ، وجعل فيه ذوقًا رفيعًا، ولطفًا في الطبع، وقدرةً نادرةً على الترجمة بين العربية والأردية والإنجليزية، كأنّ بين هذه اللغات في ذهنه صلة رحمٍ لا تنقطع، كان يقرأ النصّ في لغته الأولى، ثم ينقله إلى الأخرى فيُحسّ السامع أنه يقرأ الأصل لا الترجمة. حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة لكهنؤ، غير أن التواضع في نفسه كان أكبر من كل شهادة، والصدق في عمله أعظم من كل تقدير.
حدّثني زميله الشيخ آفتاب عالم الندوي الدهنبادي عبر الهاتف أنه لقيه قبيل وفاته بأسابيعٍ قليلة، في ندوةٍ فقهيةٍ أواخر شهر نوفمبر، قال له مداعبًا: “يا نذير، لقد أصبحت في جسمك نصف ما كنت!”، فابتسم ابتسامةً وادعةً، فيها رضا المؤمن وصبر العارف، ولم يقل شيئًا، كأنّما كان يعلم أن لقاءه بالدنيا قد قَرُب، وأنه يمضي إلى لقاءٍ أكرم وأبقى.
اللهم ارحم عبدك نذير أحمد الندوي، واجعل علمه النافع وطلابه الصالحين صدقةً جاريةً له، وأنِر قبره كما أنار بعلمه عقول طلابه، وارفَع درجته في عليّين، وأكرمه بجنّات الفردوس الأعلى.

