أمراض المجتمع وعلاجها (5)
21 نوفمبر, 2024أمراض المجتمع وعلاجها (6)
10 ديسمبر, 2024ما يصلح الملح إذا الملح فسد
العلامة الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي
إن ضمير النوع البشري المعاصر أيها السادة! يصرخ بأعلى صوته شاكيًا معاتبًا في لسان الحال (لو كان من الأمة الإسلامية في هذا الزمان أولى بقية ينهون عن الفساد) والله لو قام أحد على قمة جبل وتكلم على مذياع عالمي يسمعه كل واحد في كل قطعة من الأرض، قال : فلولا كان من الأمة الإسلامية العربية، فلولا كان من الجزيرة العربية التي طلعت منها شمس الإسلام والتي أكرمها الله بالقرآن أكرمها الله بالإيمان، أكرمها الله بالمواهب التي خصها بها، فلولا كان في الأمة الإسلامية العربية أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض، الفساد موجود، ولكن الواقفين في وجهه، المتحدين له، المحاربين له، وعلى الأقل المستنكرين له، غير موجودين، الداء موجود، والطبيب مفقود، وكما يقول الشاعر:
ما يصلح الملح إذا الملح فسد؟ |
فالمسلمون ملح الأرض إذا فقد الملح ملوحته، من يعيد إليه الملوحة؟
أنا أؤمن بأزمة واحدة، أزمة عدم وجود القدوة الحسنة، القدوة الصالحة على مستوى الشعوب، والأمم، ليس على مستوى الأفراد، الحمد لله عندنا أفراد، ولكن مصير الأمم لا يتغير بالأفراد، مصير الأمم يحتاج في تحويله إلى مجهود جماعي، وإذا بقي هذا الفراغ طويلاً فإنه ليس خطرًا على الأمم التي امتحنت به والتي تمثله، بل هي كارثة العالم كله، فتنهار هذه المدنية، وتنهار هذه النظم التي تقوم الآن، ويطوي الله هذا البساط، فلابد أن تنهض هذه الأمة، لابد أن توطن نفسها على ملأ هذا الفراغ بقدر الإمكان.
ولكن ما قامت أيها السادة! أمة بحركة إصلاحية، ثورية بناءة إلا حين كانت مدنيتها صالحة، وحين كانت حياتها بسيطة، حين كانت تتصف بشيء من البطولة، وبشيء من روح المخاطرة والمجازفة، وأما الأمم المترهلة، الشعوب الرخية الناعمة، الرخوة الرقيقة، الشعوب التي قد أخلدت إلى الأرض، وأخلدت إلى الشهوات فإنها لا تستطيع أن تحدث إنقلابًا، هذا الذي أخافه على المجتمع الإسلامي بصفة عامة، وعلى المجتمع العربي حين أخاطبه وجهًا لوجه بصفة خاصة، علينا أن نفكر في ذلك جديًا، ونفكر مع الإنسانية، ولا نفكر في إطارنا المحدود، المنزلي أو المحلي، أو البلدي، أو الشعبي، نفكر في مصير البشرية كأنه مصيرنا ونربط مصيرنا بمصير البشرية، وفي الحقيقة مصيرنا مربوط بمصير البشرية، لا يمكن أن تبقي أمة على حالها وعلى وضعها إذا كان العالم حوله يموج بفتن، يموج باضطرابات، يموج بصراع نفسي، فلا بد أن نفكر في مصير الإنسانية، نؤمن بأن مصير الإنسانية مرتبط بمصيرنا، ومصيرنا يربط بمصيرها، الرسول عليه السلام ضرب مثلاً بليغاً لذلك بسفينة ولم أجد مثلاً أبلغ منه في أدب الدعوة وفي كلام أثر عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
فقال عليه الصلاة والسلام : “مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذي في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا حلكلوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعاً”.
نحن على سفينة البشرية وسفينة البشرية مضطربة مائجة، فيجب أن نفكر في إيصالها إلى بر السلام، وليس بر السلام، إلا الإسلام الحقيقي الكامل، البعيد عن النفاق، البعيد عن كل ما كانت الجاهلية تتسم به، الدافق بالحياة والقوة، الحامل الرسالة والرحمة للإنسانية، المالك للمثل العليا والنماذج الصالحة، والقدوة الحسنة الفاضلة، أفراداً ومجتمعات، وشعوبًا وبلادًا، ونظمًا وحكومات، وبالله التوفيق.