على المسلم أن يتحلى بمكارم الأخلاق ويتخلى من الرذائل
21 نوفمبر, 2024خطر المنافق العليم اللسان على الأمة
عبد الرشيد الندوي
عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: “إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان”.
تخريج الحديث: أختلف في رفعه ووقفه، أخرجه أحمد (143) وعبد بن حميد (11)، والبزار (305)، والفريابي في “صفة المنافق” (24) والبيهقي في “الشعب” (1777) والفريابي (25) وابن أبي الدنيا في ذم الغيبة والنميمة (10) وفي الصمت وآداب اللسان (148) وله شاهد عن عمران بن حصين بإسناد صحيح عند ابن حبان (80) مرفوعا بلفظ: “أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ جِدَالُ الْمُنَافِقِ عليم اللسان، وأخرجه الفريابي في صفة النفاق وذم المنافقين للفريابي (27) مع قصة “عن الحسن، عن الأحنف بن قيس، قال: قدمت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاحتبسني عنده حولا فقال: يا أحنف إني قد بلوتك وخبرتك فرأيت علانيتك حسنة وأنا أرجو أن تكون سريرتك على مثل علانيتك وإنا كنا نتحدث إنما يهلك هذه الأمة كل منافق عليم” وأخرجه الحارث في مسنده كما في بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث (466) مقرونا بقصة طويلة ولفظه: عن عبد الله بن بريدة، أن عمر بن الخطاب جمع الناس لقدوم الوفد فقال لابنه عبيد الله أو عبد الله بن الأرقم: انظر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فأذن لهم أول الناس ثم القوم الذين يلونهم قال: فدخلوا عليه فصفوا قدامه فإذا رجل ضخم عليه مقطعة برود، فأومأ إليه فقال عمر: إيه ثلاث مرار فقال الرجل إيه ثلاث مرار، فقال له عمر: قم، فقام إلى مجلسه قال: ثم نظر فإذا الأشعري خفيف الجسم، قصير، سبط، قال: فأومأ إليه فأتاه، فقال له عمر إيه، فقال له الأشعري: يا أمير المؤمنين سلنا أو افتح، حدثنا فنحدثك، قال عمر: أف، قال: فنظر، فإذا رجل أبيض خفيف الجسم، فأومأ إليه، فأتاه، فقال له عمر: إيه قال: فوثب فحمد الله وأثنا عليه ووعظ بالله، ثم قال: إنك وليت هذه الأمة فاتق الله فيما وليت من أمر هذه الأمة ورعيتك وفي نفسك خاصة، فإنك محاسب ومسئول عما استرعيت، وإنما أنت أمين وإنما عليك أن تؤدي ما عليك من الأمانة، وتعطى أجرك على قدر عملك، قال: ما صدقني رجل منذ استخلفت غيرك، من أنت؟ قال: أنا ربيع بن زياد، قال: أخو المهاجر بن زياد؟ قال: فجهز عمر جيشا واستعمل عليهم الأشعري، ثم قال: انظر ربيع بن زياد فإنه إن كان صادقا فيما يقول فإن عنده عون على هذا الأمر، فاستعمله ثم لا يأتين عليك عشر إلا تعاهدت فيهن عمله، واكتب إلي سيرته في عمله حتى كأني أنا الذي استعملته، ثم قال عمر: عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أخوف ما أخاف عليكم منافق عليم اللسان».
شرح الحديث: إن هذا الحديث النبوي الشريف يسلط الضوء على خطر جسيم يهدد الأمة الإسلامية، وهو خطر المنافق الذي يمتلك علماً واسعاً ولساناً فصيحاً. إنه تحذير نبوي ينبع من رحمة النبي صلى الله عليه وسلم وحرصه على حماية أمته من أعدائها الداخليين، الذين قد يكون خطرهم أشد من الأعداء الخارجيين.
المنافق العليم اللسان يلبس ثوب التقوى والعلم، ويتحدث بكلام يخلب الألباب، لكنه في الحقيقة عار عن الصدق والإخلاص. إنه يستخدم علمه وفصاحته لإيهام الناس، وتشويه الحق، وتزيين الباطل. بمكره، إن خطورته ليست في قوة حجته، بل في مهارته في التلاعب بالمفاهيم وتحريف النصوص لخدمة أغراضه الخبيثة. إذا فليس كل عالم مأمون الجانب، وليس كل بليغ يستحق أن يُتبع؛ بل العبرة بصدق القلب ونقاء السريرة.
هذا التحذير النبوي يجعلنا ندرك أهمية اليقظة والحذر في التعامل مع من يتصدرون للعلم أو القيادة. يجب أن يكون ميزاننا في قبول الناس هو التقوى والإخلاص، لا البلاغة أو المظاهر. هؤلاء المنافقون قد يظهرون بمظهر الصالحين، لكن حقيقتهم تخالف ذلك.