مفهوم العبادة في الأذهان اليوم
4 نوفمبر, 2024… إلى الاستعراض والمحاسبة
10 ديسمبر, 2024أمة الشهادة على البشرية
جعفر مسعود الحسني الندوي
مهمةُ أمتنا الإسلامية تختلف عن مهمة الأمم السابقة المؤمنة بأنبيائها ورسلها، وهذا ما أشار إليه القرآن في الآيتين المختلفتين، تقول إحداهما عن الأمم السابقة: ” وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ “(البينة:5) بينما تقول الأخرى مخاطبة للأمة التي أرسل إليها خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلام: ” كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ” (آل عمرا:110) “وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ” (آل عمران:104).
فما كُلِّفت الأمم السابقة التي آمنت بمن أرسل إليها من الأنبياء، وبما أنزلت إليها من الكتب، بتوجيه الدعوة وتبليغ الرسالة ونشر الدين الذي اختارته وتبنته، وإنما أمرت بأن تعبد الله وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة متشبثة بالدين متحنفة عن الشرك إلى التوحيد مخلصة لله الدين.
أما الأمة الإسلامية، فهي أمة دعوة إلى الخير، أمة أمر بالمعروف، أمة نهي عن المنكر، أمة أخرجت للناس لتنقذهم من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدين إلى سعتها، كما قال سيدنا ربعي بن عامر حين دخل على رستم قائد قوات الفرس وهو على فرس قصير بينما كان رستم على سرير من الذهب وفي أبهة عظيمة.
إن هذه الأمة ليست أمة عادية كغيرها من الأمم، ولا مجرد أمة كبقية الأمم تتعبد وتصلي وتصوم وكفى، إنها أمة متميزة تقع على عاتقها مسئولية الدعوة والإرشاد والتوجيه والمراقبة والإشراف والمحاسبة، والشهادة على الأمم الأخرى، وأراد لها الله عز وجل أن تقوم بهذه المهمة الجليلة، فهي مأمورة بها ومسؤولة عنها، يقول الله عزول ” وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا “(البقرة:143).
وأمرت هذه الأمة بالجهاد في سبيل الله،”وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ “(الحج:78) وأمرت بالقتال حين احتاجت إليه دفاعًا عن نفسها وشرفها وكرامتها وعزها ودينها والحفاظ على أراضيها،” وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ “(البقرة:190) هذه التكاليف الثلاثة:” الدعوة إلى الله”، و”الجهاد في سبيل الله”، و”الشهادة على كل البشرية” هي تكاليف لم تكلف بها أمة إلا هذه الأمة التي ننتمي إليها ونتشرف بهذا الانتماء، وهي الباقية إلى يوم القيامة بتكاليفها ومهماتها.