جبهة جديدة للهجوم على الإسلام

“الرائد” تدخل عامها السادس والستين من عمرها
7 أغسطس, 2024

جبهة جديدة للهجوم على الإسلام

جعفر مسعود الحسني الندوي

إن خطة جديدة لجأ إليها اليوم الأعداء بعد ما فشلوا في تحقيق ما أرادوه من النيل من الإسلام، وتشويه صورته، والتشكيك في تعاليمه وأحكامه، بالخطط التي وضعوها بغاية من المكر، ومنتهي الكيد والدهاء، لإبعاد المسلمين عن دينهم، ورفع ثقتهم به، وشغلهم عنه، بأمور تتعارض مع العقل والشرع والأخلاق والقيم، وذلك باسم الثقافة، والرقي، ومقتضى العصر، وحاجة الوقت، وحرية الفكر، وحرية الرأي.

كانت الخطط القديمة التي اُختِيرت لتحقيق الأهداف، تقوم على فتح المدارس العصرية، وتقوية التعليم المدني، وتوفير التسهيلات له، ومنح الرخص بكل سخاء، لكل من يتقدَّم بطلب لإنشاء مثل هذه المدارس في القرى والمدن، حتى تشب الأجيال الإسلامية الناشئة، وهي ضعيفة البصر بحقائق الإسلام، وضعيفة البصر بمزالق الشيطان.

كانت الخطط القديمة تقوم على جذب الشباب المسلمين إلى الملاعب، وميادين اللهو واللغو، وعقد مباريات كرة القدم، أو كرة السلة، أو غيرها من المباريات التي يرون فيها رغبتهم، ليشغلوهم بها عن الحق والخير، والتعليم والدراسة، والتفكير في مستقبلهم، ومستقبل دينهم، ومستقبل بلادهم.

كانت الخطط القديمة تقوم على أنواع كثيرة مما يزهد الناس في الدين، ويغريهم بأي أمر آخر عن الحديث عن الدين والعمل به، والشوق إلى الجنة، والخوف من النار، وما أحلّ لهم، وما حرّم عليهم، وما يحتاجون إليه، للرقي والازدهار.

لكن هذه الخطط التي كانوا وضعوها لتحقيق ما كانوا يهدفون إليه، لم تؤت ثمارها وفق رغباتهم، ولم تأت بنتائج كانوا يحلمون بها، فلجأوا إلى خطة جديدة، وهي أكبر خطرًا وأوسع ضررًا وأعمق أثرًا من الخطط التي سبقتها.

وهذه الخطة التي لفت إليها النظرَ الشيخ محمد الغزالي -رحمه الله تعالى- قائلاً: إن أعداء الإسلام لجأوا إلى خطة جديدة لإلحاق الضرر بالإسلام، وهذه الخطة تقوم على اتهام المسلمين وعلمائهم بأنهم لا يفهمون الإسلام، وإن فهم الإسلام على حقيقته يحتاج إلى عبقرية اُخْتَصُّوا هم بها، وعرفوا هم الأسلوب الوحيد لشرح الوحي الإلهي، يقولون أنكم تدرِّسون للذكر مثل حظ الأنثين، لكنكم لا تقولون إنما كان ذلك لأمور اقتصادية، لأن المرأة كانت تجهل ولا تعلم، وكانت تكسل ولا تعمل، أما الآن فهى كالرجل علمًا، وكالرجل عملاً، فالحديث عن نصف المرأة في الميراث خطأ، ويدل على قلة فهم للقرآن.

يقولون أنتم تحرمون الخنزير لكونه نجسًا، وهذا سوء فهم القرآن، لقد كان الخنزير حرامًا يوم كانت المراعي رديئة، ولم يكن هناك أطباء وبيطريون يكشفون على اللحوم ويفحصون ما قد يكون بها من ديدان، لكن الآن ذهب هذا القصور الصحي، وتحسنت المراعي، واكتشفت الأدوية للقضاء على ما به من ديدان، وبالتالي لا يجور أن نقول أن الخنزير لا يجوز أكله.

هكذا فتح الأعداء جبهة حديدة للهجوم على الإسلام بوضع هذه الخطة الدقيقة المدروسة التي تبدو كأنها علمية محضة بنية صادقة، أو خطوة إلى فهم صحيح للإسلام وتعاليمه، وللأسف أن عددًا من المثقفين الذين ينتسبون إلى الإسلام، يؤيدون أعداء الإسلام الحاقدين عليهم فيما يقولون عنه ويتهمون به ويشرحونه حسب أهوائهم، ووفق رغباتهم، ويعرضون على تجمعات المسلمين الأفكار الخاطئة كأنها هي صائبة، وتتناقل بها ألسنتهم دون أي تفكير في نواياهم، فَيُخْدَع بها المسلمون الذين يجهلون بالدين، فلا يكون بينهم وبين العلماء الربانيين أي صلة، لا يزورونهم، ولا يحضرون إليهم، ولا يتعلمون منهم، ولا يأخذون منهم الدين، فلابد لصيانتهم من الانحراف، والإنسياق إلى البغي والضلال، أن ينظروا إلى حياة من يقرأون له، ويستمعون إليه، فإذا وافقت أمور حياتهم ما جاء في القرآن والسنة، يثقون بهم ويستندون إليهم.

فكيف نوالج هذه الخطة؟ تعالوا نر ذلك في ضوء ما كتبه العلامة الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي -رحمه الله-فيقول في كتابه “إلى الإسلام من جديد” (ص:106):

” إن أكبر مهمة دينية في هذا العصر، وأعظم خدمة وأجلها للأمة الإسلامية، هي دعوة السواد الأعظم للأمة وأغلبيهتا الساحقة إلى الانتفال من صورة الإسلام إلى حقيقة الإسلام، فلمثل هذا فليعمل العاملون، ويبذلوا جهودهم ومساعيهم في بث روح الإسلام في جسم العالم الإسلامي، ولا يدخروا في ذلك وسعًا، فبذلك يتحول شأن هذه الأمة، وفي نتيجته شأن العالم بأسره، فإن شأن العالم تبع لشأن الأمة، وشأن الأمة تبع لحقيقة الإسلام، فإذا زالت حقيقة الإسلام من الأمة المسلمة فمن يدعو العالم إلى حقيقة الإسلام، ومن ينفخ فيه الروح، قال سيدنا عيسى عليه السلام لأصحابه: “أنتم ملح الأرض، فإذا زالت ملوحة الملح، فماذا يملح الطعام؟”.

قد أصبحت حياتنا اليوم جسدًا بلا روح، لأن السواد الأعظم للأمة مجرد عن الروح، فارغ عن الحقيقة، فكيف تعود الروح والحقيقة في الحياة الإنسانية مرة أخرى؟”.

×