حاجة تنمية بذور الخير في القلوب

أحسن القصص
18 يوليو, 2024

حاجة تنمية بذور الخير في القلوب

محمد خالد الباندوي الندوي

أخي العزيز!

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لقد أودع الله سبحانه –أيها الأخ – كل إنسان مواهب الخير، وزرع في نفسه بذرة الصلاح،وكلفه برعايتها وحفظها، وأن يكلؤها من جميع ما يعوق نموها، أو يمنع امتدادها، إذ الموهبة الربانية كالحبوب التي يبذرها الإنسان في الأرض، وهي لا تنبت ولا تثمر ولا تنضج ولا تأتي أكلها المرجوة إلا إذا بذرت في أرض صالحة، وفي فصل صالح، وأحاطها الزارع بالرعاية الطيبة وتعهدها بالسقاية والعناية بين فينة وأخرى، وصانها مما يسوء صحتها ونموها.

فأنت–أيها الأخ – كالزارع،وفطرتك التي فطرت عليها كالأرض، وموهبة قبولك الخير كالبذرة الصالحة للنبات،وخشيتك من الله أو الأعمال الصالحة التي تقوم بها في حياتك هى بمثابة الرعاية والعناية،إذا عرفت ذلك –أيها الأخ–عرفت أن الله أعطاك أرضا طيبة صالحة،لأنه خلقك على فطرة الإسلام وجعلك، راعيا لتلك الفطرة لكي تبقى أرضك قابلة للنبات صالحة للزرع والإنتاج، فلا تيأس – يا أخي – من أرض مواهبك وصلاحها لتنمية البذور، ولا تنقطع عن السعي والعمل ولا تغافلها ولو للحظة واحدة، فإن أرض مواهبك ما زالت بعدُ صالحة تنتظر من يحركها ويثيرها، ويسقيها بالجد والاجتهاد، ويرعاها بروح الإخلاص والعمل. تعال نلخص لك قصة قرأتها في موضع يصدق ما قلناه، ويؤيد ما ذهبنا إليه، يحكي لنا الشيخ عبد السلام الرويحي وهو الذي حدثت معه القصة يقول:

“خرجت لخطبة الجمعة متأخرا لبعض الوقت، ركبت سيارتي متوجها إلى مسجدي الذي تفصلني عنه عشر دقائق عندما تكون الشوارع ليست مزدحمة،فإذا كنت في الجسر(الكوبري) انفجر إطار السيارة الخلفي، ولم يمهلني حتى أصبحت السيارة تتحرك ببطء شديد، وتمزق الإطار تماما،ومن الصعب والمخاطرة أن أتركها فوق الجسر وأذهب، وكنت في حيرة شديدة لا أجد فيها من ينصرني في مثل تلك المصيبة، ويوصلني إلى المسجد،واصلت السير حتى نزلت من أقرب نزول في الجسر وأوقفت السيارة في مكان لا تمشي السيارات فيها في مثل ذلك الوقت،وكنت لا أحمل بعد ذلك إلا هم الوصول إلى المسجد،التفت يمينا وشمالا حين دنا الوقت، وبينما أنا كذلك إذ بسيارة قادمة من أعلى الجسر، أشرت لها فتوقفت لي مباشرة،وصعدت فقال لى صاحبها يبدو أنك الخطيب وقدتأخرت عن الخطبة؟ قلت: نعم، وذكرت له ما جرى لسيارتي،سألني عن موقع المسجد وسار سريعا يختصر الطرقات، ومن الطريف أنه تخطى إحدى السيارات وكادت تصطدم بسيارته، وصاح عليه صاحبها فأشار عليه معتذراسامحنى يا شيخ، أنا في مهمة دينية، حتى أوصلني إليه على الميعاد،فلما قربت من المسجد أخرجت محفظتي لأعطيه أجره، فلم أجد صرفا قلت له: ليس لدي غير فئة خمسة مأة ريال،هل لديك صرف؟ قال: لا، قلت له: إذا صل معنا، وأحضر لك النقود بعد صلاة الجمعة ولعلك ترجعني إلى البيت، قال: أنا مسافر، قلت: أحضر الجمعة حتى لو كنت مسافرا، قال: عفوا أنا جنب، قلت إذا انتظرني إلى بعد الصلوة، قال: أنا أنتظر بعيدا عن المسجد حتى لا يراني الناس فيتهمونني وربما كفروني، ثم سكت قليلا وقال: سأجعل لك المشوار لوجه الله،قلت له: جزاك الله خيرا ويسر لك أمورك، فقال لى بصوت خافت حزين بل ادع الله لى يا شيخ بالهداية والصلاح، والله حتى الصلوة ما أصلى. دعوت له وانصرفت، وأنا حزين أنه لا يصلى، ولكن كان شيئ في داخلي يقول: لعل الله سخره لى ليوصلني حتى أخطب الناس وتقام الجمعة، ويكون ذلك سببا في هدايته وصلاحه، بل ربما ما حدث معي من القصة يمكن أن يكون دافعا إلى تحريك بذرة الخير في قلبه، ويكتب الله له توبة وصلاحا. وكتب الله له الهداية – بالفعل – وأقامه على دينه”.

لأن الفطرة السليمة – أيها الأخ– مهما أصابها من تلوث فإنها لا تلبث مليًا حتي تتخلص من تلك التلوثات وتتجنب من القاذورات وتتطهر من النجاسات.

×