فضل الشهادة في سبيل الله ومنزلة الشهداء

سبق المفردون
18 يوليو, 2024
التخلق بالأخلاق الكريمة
14 أغسطس, 2024

فضل الشهادة في سبيل الله ومنزلة الشهداء

عبد الرشيد الندوي

عن المقدام بن معدي كرب رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: للشهيدِ عند اللهِ ستُّ خِصالٍ: يُغفَرُله في أولِ دفعةٍ، ويرى مقعدَه، من الجنَّةِ ويُجارُ من عذابِ القبرِ، ويأمنُ من الفزعِ الأكبرِ، ويُوضَعُ على رأسِه تاجُ الوَقارِ، الياقوتةُ منه خيرٌ من الدُّنيا وما فيها، ويُزوَّجُ اثنتَينِ وسبعينَ من الحورِ العِينِ، ويُشفَّعُ في سبعينَ من أقاربِه.

تخريج الحديث: أخرجه الترمذي (1663)، وابن ماجه (2799)، وأحمد (17182) قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب، وصححه الألباني ووضعه في صحيح الترمذي وصحيح ابن ماجه. ولكن محققي مسند أحمد الشيخ شعيب الأرنؤوط وأصحابه توقفوا في صحته حيث قالوا: رجاله ثقات، غير إسماعيل بن عياش، فقد اضطرب فيه….

وقد تابع إسماعيلَ بن عياش بقيةُ بن الوليد، بهذا الإسناد، عند الترمذي (1663)، لكنه عنعنه، وتدليسه تدليس التسوية وهو شر أنواع التدليس، ومع ذلك قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب……

قلنا: وقد رُوي الحديث من طريق كثير بن مرة كذلك، عن قيس الجذامي، فيما سيرد برقم (17783). أخرجه الإمام أحمد عن زيد بن يحيى الشامي، عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، عنه، به. وقد قال صالح بنُ محمد البغدادي في عبدِ الرحمن بنِ ثابت: أنكروا عليه أحاديث يرويها عن أبيه، عن مكحول، مسندة. قلنا: فمثله لا يحتمل تفرده، ولم نجد له متابعاً سوى إسماعيل بن عياش الذي اضطرب فيه، وبقية الذي عنعن في إسناده انتهى.

شرح الحديث: لاشك أن الشهادة في سبيل الله درجة سنية سامقة ومرتبة رفيعة سامية، ولم لا تكون كذلك؟ وقد بذل العبد لربه مهجته الحبيبة لديه، وأراق دمه القاني الزكي ابتغاء وجه الله تعالى وإعلاء لكلمته ونصرة لدينه، إنه خرج في سبيل الله مفارقا الأهل والإخوان والأرحام والخلان، متغلبا على أهواء النفس وشهوات الجسم، تاركا ملذات الحياة ورغد العيش، هاجرا للراحة والجمام ولذيذ الطعام والمنام، هانت عليه نفسه، وثقلت عليه هامته، غلت في عينه مرضاة ربه، وعزت عنده سلعة الله، وتشوفت روحه للجنة والنعيم، والنظر هنالك إلى وجه رب العزة والجلال، فأثابه الله تعالى بما هو أهله فعن ابي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تَضَمَّنَ اللَّهُ لِمَن خَرَجَ في سَبيلِهِ، لا يُخْرِجُهُ إلّا جِهادًا في سَبيلِي، وإيمانًا بي، وتَصْدِيقًا برُسُلِي، فَهو عَلَيَّ ضامِنٌ أنْ أُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، أوْ أرْجِعَهُ إلى مَسْكَنِهِ الذي خَرَجَ منه، نائِلًا ما نالَ مِن أجْرٍ، أوْ غَنِيمَةٍ، والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، ما مِن كَلْمٍ يُكْلَمُ في سَبيلِ اللهِ، إلّا جاءَ يَومَ القِيامَةِ كَهَيْئَتِهِ حِينَ كُلِمَ، لَوْنُهُ لَوْنُ دَمٍ، ورِيحُهُ مِسْكٌ، والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لَوْلا أنْ يَشُقَّ على المُسْلِمِينَ ما قَعَدْتُ خِلافَ سَرِيَّةٍ تَغْزُو في سَبيلِ اللهِ أبَدًا، ولَكِنْ لا أجِدُ سَعَةً فأحْمِلَهُمْ، ولا يَجِدُونَ سَعَةً، ويَشُقُّ عليهم أنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي، والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لَوَدِدْتُ أنِّي أغْزُو في سَبيلِ اللهِ فَأُقْتَلُ، ثُمَّ أغْزُو فَأُقْتَلُ، ثُمَّ أغْزُو فَأُقْتَلُ.أخرجه البخاري (3123) ومسلم (1876).

إن الله سبحانه وتعالى قد عوض الشهيد عن هذِه الحياة الحقيرة الفانية المشوبة بالآلام والأحزان والأسقام، المكدرة لذاتها بكثير من المرارة والقذى، والألم والأذى، المنغص عيشها ونعيمها بكل غصص ومضض، حياة كريمة خالدة حلوة هنيئة مريئة مغبوطة ناضرة مستبشرة.

×