العرب في الجاهلية

القيم الإنسانية جوهر السعادة
19 سبتمبر, 2023
الناصح والمنصوح
28 نوفمبر, 2023

العرب في الجاهلية

محمد خالد الباندوي الندوي

أخي العزيز!

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كانت العرب في الجاهلية – أيها الأخ – يملكون مواهب ميزتهم عن غيرهم من الأمم، ويتحلون بأخلاق وصفات رفعت قدرهم، وأعلت مكانتهم، حتى جعلتهم “خير أمة” وحملة رسالة سماوية، والناشرين لأنوارها، والحاملين لهمومها وأعبائها، لأن الأخلاق العالية والشيم الحميدة هي التي ترفع قومًا وتفسح له مكانا مرموقا في العالم، وإنما هي مصدر الخير والسعادة، ومصباح الأمل في ليلة اليأس والقنوط.

فإن من صفات العرب الحميدة: المروءة،والصدق، والكرم، والعزة، وحسن الجوار،والصبر ، وإكرام الضيف، والشجاعة والوفاء، وقد تميزت العرب قبل الإسلام بشيمة الوفاء ونفورهم من الغدر،فقد كانوا يحافظون على عهودهم ومواثيقهم، ويثنون على الوفي، ويرفضون الغدر وخيانة الوعود،ويذمون مخلف الوعد، وإنها من الصفات التي إذا اتصف بها شعب حكم على العالم البشري ودانت له رقاب الدنيا، فلابد –أيها الأخ – من التحلى بها إذا أردنا بناء المستقبل الزاهر.

وصف لسان الدين بن الخطيب العرب فأحسن الوصف حين قال:

“العرب لم تفتخرْ قَط بذهب يجمع، ولا ذُخر يرفع، ولا قصر يبنى، ولا غرس يجنى، إنما فخرها عدو يغلب، وثناء يجلب، وجزر تنحر، وحديث يذكر، وجود على الفاقة، وسماحة بحسب الطاقة.

فلقد ذهب الذهب، وفني النشب، وتمزقت الاثواب، وهلكت الخيل العراب، وكل الذي فوق التراب تراب، وبقيت المحاسنُ تُروى وتُنقل، والأعراض تجلى وتصقل”.

وقال ابن المقفع:

“إن العرب حكمت على غير مثال مثل لَها، ولا آثار أثرت، أصحاب إبل وغنم، وسكان شعر وأدم، يجود أحدهم بقوته، ويتفضل بمجهوده، ويشارك في ميسوره ومعسوره، ويصف الشيء بعقله، فيكون قدوة، ويفعله فيصير حجة. ويُحسن ما شاء فيحسن. ويقبح ماشاء فيقبح،أدبتهم أنفسهم، ورفعتهم هممهم، وأعلتهم قلوبهم وألسنتهم،فمن وضع حقهم خسر، ومن أنكر فضلهم خصم”.

هكذا كانت العرب قبل مبعث النبي – صلى الله عليه وسلم –على أصالتهم ونقائهم،كانوا أبعد شيء من شوائب الحضارة، وأرجاس المدنية، لم يتلوث رداء شرفهم بمثالب المدنية، ولم يتدنس عرضهم بالذل والهوان، فقد كانوا غيارى في أعراضهم، صرحاء في أقوالهم وآرائهم، صادقين في تعاملهم في السراء والضراء، بعيدين عن الكذب والخيانة والمكر والخداع، يأبون الذل والإسار، ويأنفون الخضوع والانكسار، ويكرهون استعمال الحيلة والغدر فرارًا من الموت، واستبقاءًا للحياة.

×