قوة الإخلاص
19 سبتمبر, 2023اختيار أجدى الوسائل وسمو الغاية
19 سبتمبر, 2023الطريق الوحيد
لقد خرج المسلمون عندما خرجوا بخير أخلاق وبخير خصال، ففتحوا القلوب، وفتحوا النفوس قبل أن يفتحوا الحكومات والبلاد، وقدموا نماذج من أروع ما يمكن أن يتصوره الإنسان في التاريخ، فهزوا العالم هزاً، وأحدثوا زلزالاً لم يعهد مثله منذ القديم، ومهدوا للركب الإنساني طريقاً واسعاً إلى الخير والفضيلة والسلام من سلك فيه فقد أحرزهما لانتصاره ونجاحه في الحياة في الدنيا وفي الآخرة كذلك.
ولقد كان هذا الطريق، هو الطريق الوحيد للنجاة في كل عصر ومصر عندما يعم الظلام في كل جهة، وتخبط الإنسانية البائسة فيه خبط عشواء، وتتسكع في مهامه الحياة، وهو الطريق الذي كان ضماناً للمسلمين أيضاً في جميع عصورهم، كلما اتبعوه وسلكوا فيه نجوا وأحرزوا الانتصار والكرامة، وكلما حادوا عنه وقعوا في ذلة وخسران، وقع ذلك في الأندلس عندما دخلوا فيها، ووقع فيها عكس ذلك عند خروجهم منها، ووقع ذلك عند فتوح العجم والعـراق، ووقع عكسه عند ما لقوا القتل والإهانة في عروس بلادهم بغداد.
وهذا هو الطريق الذي لا مناص للمسلمين من اختياره إذا أرادوا الكرامة، فقد جربوا ذلك مراراً، وليس من المعقول أن يغفلوا عنه، وينخدعوا بتيارات عقلية جديدة، وأنظمة متطرفة أخرى مما لا يصادق عليه دينهم ولايتفق معه تاريخهم، ولا تقبله مثلهم ونظم حياتهم، فقد يجوز أن يشتهوا الجديد، وترغب نفوسهم إليه، ولكنه ليس من اللازم أن يجدوا في كل جديد الدواء والخير.
إن المسلمين اليوم في حاجة إلى دواء يشفيهم من هذه الأسقام التي تعرضوا لها منذ زمان، وفي حاجة إلى فضيلة وخير ينفيان عنهم هذا الهوان والذلة التي يلاقونها في كل مجال من الحياة المعاصرة، إنهم في حاجة إلى سابق قوتهم، وسابق عزهم، وسابق مهابتهم، إنهم في حاجة إلى سابق إيمانهم، وسابق ثقتهم، وسابق ثباتهم، وسابق جديتهم، وصرامتهم، فهم حقيقون بها ومحتاجون اليوم إلى اختيارها.
(العالم الإسلامي اليوم قضايا وحلول للشيخ محمد الرابع الحسني الندوي، ص: 96–97)