فضيلة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي كما يراه كبار علماء عصره
9 سبتمبر, 2023العلامة السيد محمد الرابع الحسني الندوي: كلمات ونظرات
9 سبتمبر, 2023ما أعظم الحرمان وما أفدح الخسران…..!
شهاب الدين الندوي
إن العالم الإسلامي والأمة الإسلامية الهندية بوجه خاص لقد فُجعت في الحادي والعشرين من رمضان المنصرم سنة 1444هـ الموافق 13/ أبريل عام 2023م بوفاة شخصية إسلامية عملاقة، بوفاة رئيس ندوة العلماء المبجّل، سماحة الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي رحمه الله تعالى رحمة واسعة، إن وفاة هذه الشخصية الجليلة، وهذا العالم الرباني لحرمان عظيم وخسارة فادحة في مثل هذه الأيام العقيمة للأمة الإسلامية، وإنها لمأساة فاجعة ومصيبة كبرى تذوب لها القلوب وتدمع العيون همًا وحزنًا.
إن فقيدنا الجليل كان من سلالة شريفة كريمة من آل بيت النبي الكريم عليه الصلاة والتسليم، كان قد وُلد في بيت علم ودين، ودعوة وجهاد في سنة 1927م في رائ بريلي بالهند، ونشأ وترعرع في بيئة صالحة ممتازة، وتربى بين أحضان الدين والكفاح، بين الشخصيات المثالية والأعلام العباقرة الذين لهم تاريخ مجيد ودور بارز في خدمة العلم والدين، إنه استفاد ما استفاد من العلماء الربانيين، والدعاة المخلصين رحمهم الله تعالى وبوجه خاص إنه تربى على خاله المكرم سماحة الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي رحمه الله تربية حسنة مرموقة فانتقلت كثير من فضائل سماحة الشيخ المربي ومكارمه إلى فضيلة ابن أخته السيد محمد الرابع الحسني الندوي، حتى صار هو صورة صادقة وعكسًا جميلاً لخاله المعظم لسماحة الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي، وبيّن سماحة العلامة مرارًا وتكرارًا بأن لسماحة خاله المكرم يد طولى وحظ أوفر في تعليمه وتربيته، وتوجيهه وإصلاحه وتشكيل ذهنه وفكره، والفضل في سبيل الخدمات المشكورة التي قام بها يرجع إلى خاله الكريم والمرشد العظيم بعد فضل الله سبحانه.
إن سماحة الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي كان من الشخصيات الإسلامية البارزة التي كانت تجمع بين العلم الراسخ والعمل الصالح والفكر الإسلامي المتّزن وروح الإخلاص والتقوى كما إنه كان يتمتع بفضل من الله المنان بصفات إسلامية مرموقة وخصائص خلقية نبيلة من حلم وأناة وصبر وثبات وحكمة وبصيرة وتواضع ورزانة وغيرها، وهي تجعل صاحبها شخصية قوية مؤثرة، وفردًا موفقًا من أفراد هذه الأمة، وبهذه المزايا النيرة استطاع سماحة الشيخ من تمثيل دور قيادي ممتاز في نشر الفكر الإسلامي والروح الدينية وفي القيام بواجب الدعوة الإسلامية الغراء في أروع أسلوب، وقد حالفه التوفيق الإلهي في القيام بمآثر خالدة قيمة في خدمة العلم والدين بطرق رائعة حكيمة.
كان شيخنا محبوبًا لدى الجميع، قد أودع الله سبحانه حُبّ الشيخ الخالص في قلوب العلماء وجماهير المسلمين، فهم كانوا يحبونه حُبًا جمًا لابتغاء مرضاة الله سبحانه، ويتهافتون عليه تهافت الظمآن على الماء، فصار شيخنا منهلاً عذبًا صافيًا وجعل الناس يقصدونه لكي يرووا غليلهم، ويستقوا من منبعه الفياض، ويستفيدوا من علمه وفكره النيّر وتوجيهاته القيمة اغتنامًا لهذه النعمة الإلهية، وصارت حياته الطيبة تفسيرًا عمليًا لهذه الآية القرآنية “إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا” [مريم:96]، والسيل العرمُ من الحاضرين والجمع الحاشدُ من مآت الآلاف من المشاركين في جنازته لهو أصدق شاهد عليه، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
إن شيخنا الكريم كان عالمًا متضلعًا، ومفكرًا إسلاميًا، ومرشدًا حكيمًا وقائدًا محنّكًا، فكان لا يزال يقود الأمة الإسلامية قيادة رشيدة على حكمة وبصيرة، ويرشدها إلى ما فيه خير وصلاح لها في الحال والاستقبال، ومع ذلك أعطاه الله سبحانه وتعالى ذوقًا رفيعًا للتصنيف والتأليف، وملكةخصبة قوية في مجال القلم والكتابة، فمصنفاته ومؤلفاته القيمة في كلتي اللغتين العربية والأردية كادت أن تبلغ خمسين كتابًا بين صغير وكبير، وبوجه خاص لسماحة شيخنا يد طولى ومكانة مرموقة في اللغة العربية وآدابها وتاريخ الأدب العربي وجزيرة العرب، فإنه قد كتب وصنف عدة كتب ومقالات قيمة في هذا المجال أيضًا، وكلُها قد حُظيت بالقبول والتقدير عند أهل العلم وطلاب اللغة العربية وآدابها وتاريخها، وها هي بعض الأسماء للكتب المشهورة في اللغة العربية: الأدب العربي بين عرض ونقد، منثورات من أدب العرب، تاريخ الأدب العربي (العصر الإسلامي)، مختار الشعر العربي (جزءان)، في ظلال السيرة، مقالات في التربية والمجتمع، العالم الإسلامي: قضايا وحلول، قيمة الأمة الإسلامية ومنجزاتها.
إن حياة فقيدنا حياة حافلة بشتى المكارم العالية والخدمات العلمية والأدبية والدعوية المشكورة فتارة نراه كمدرس بارع محنك، يدرس طلابه بكل مهارة، ويقنعهم إقناعًا بكل جدارة، ويربيهم تربية حسنة، وتارة نجده كشيخ رباني ومرشد روحاني مخلص من المشائخ والمرشدين المهرة، ينصح لمسترشديه ويُزكي نفوسهم ويحلّيهم بأعلى الفضائل والمكارم، ويحثهم على الإخلاص والتقوى والتقرب إلى الله، وحينًا نجده كمفكر إسلامي عظيم، يستعرض الأحوال المعاصرة والقضايا المعقدة والتحديات الحديثة الهدّامة للأمة الإسلامية، ويبحث عن أسبابها وعِلَلها، ويفكر في حلولها الناجعة، وحينًا آخر نجده كأديب عربي أريب، وكاتب إسلامي قدير، يطلع على الفروق اللغوية والمعنوية الدقيقة للألفاظ العربية ومواقع استعمالها الصحيحة، كما كانت عنده معرفة واسعة عن تاريخ العرب وميولهم وخصائصهم وتاريخ الأدب العربي، يكتب المقالات الفكرية القيمة ويؤلف الكتب البديعة على المواضيع المختلفة، وفي وقت آخر نجده داعيًا إسلاميًا مخلصًا، يدعو إلى الإسلام بحكمة ويدافع عنه وعن شريعته وحضارته وعن نبيه الكريم وحياته الطيبة بكل قوة وجدارة، ويكشف مكائد الأعداء الظالمين بكل مهارة.
ففي الواقع إن سماحة الشيخ رحمه الله تعالى كان عبقريًا من عباقرة الزمان، وكانت حياته كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، كشجرة باسقة ظليلة لا يزال يستظلّ بها الحيارى في هذه الحياة الدنيا إنه قد عاش عيشة كالبدر المنير الذي يهتدي به التائهون في ظلمات الجهل ومتاهات الغواية، كل من يقصده يجد عنده بغيته المطلوبة، ويجد من قِبَلِه عطفًا مثاليًا وعناية فائقة نتيجة لتلك الأخلاق الفاضلة والأوصاف السامية والسمات البارزة التي تجمّل بها الشيخ رحمه الله تعالى بفضل الله وبصحبة العلماء الأفذاذ والمشائخ الربانيين الكرام، وبفضل هذه المزايا المرموقة جعل الله سماحة الشيخ علمًا بارزًا من الأعلام ونابغة من نوابغ الزمان لا تعادله شخصيات أخرى في تنوع خدماته وفاعلية مكارمه وجامعية محاسنه.