العلم المجرَّد عن الأخلاق
26 ديسمبر, 2022بين الإخلاص والرياء
4 فبراير, 2023الخطأ الذي يقع فيه الكثيرون
جعفر مسعود الحسني الندوي
عجبًا كل العجب إننا نقرأ صباحًا مساءًا ” قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَد وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ”(الإخلاص:1-4) ونتلوونردِّد:” وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا” (مريم:88-95) ثم نحتفل بعيد الميلاد، ونظهر الفرح، ونهنئ به، ونزين البيوت، ونشتري شجرة الميلاد،ولا نتأمل هذه الآيات وما تعنيه، وما تشير إليه، وما تدل عليه، وما تقول عن العقيدة التي يتبناها أتباع الديانة المسيحية، وهي تخالف كل المخالفة ما يقول سيدنا عيسى عليه السلام عن نفسه وعن عبوديته وخضوعه لأوامر ربه، يقول:” قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ” (مريم:03-31)
أتذكر بهذه المناسبة ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم : لتتبعن سنن من قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قلنا يا رسول الله: اليهود والنصاري ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم فمن؟.
هذا الذي نراه اليوم بأم أعيننا ونشاهده في كل مكان إننا بدلاً من أن نقتدي برسول الله صلى الله علي وسلم وبدلاً من أن نتمسَّك بشريعته، نتبع خطوات من ضلُّوا عن الطريق، وانحرفوا عن الجادة، رغم أننا ندعو الله عزوجل في كل ركعة من كل صلاة أن يجنبنا من السير على صراط المغضوب عليهم ولا الضالين،ونقول: ” إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ “ألا ندعو إياك (الفاتحة:5-7)
إننا ننسى كل ذلك في الأيام الأخيرة من شهر ديسمبر ونتجهز كما يتجهز النصارى للاحتفال بعيد كريسماس ولا نتأمل ما وراء ذلك من العقيدة التي أبطلها القرآن بكل صراحة ووضوح.
ومن المؤسف أننا نرى البلاد الإسلامية تكتسح باللون الأحمر، وتزين شوارعها ومحلاتها التجارية بالبالونات الملونة، وتوضع عند أبوابها أشجار الميلاد المضاءة بالمصابيح الكهربائية، وتفتح الدكاكين لبيع بطاقات التهنئة بعيد الميلاد، ونجهل كل الجهل أن النصارى يحتفلون بعيد الميلاد كعمل ديني يتقربون به إلى من يرونه إلههم، أو ابنًا لإلههم، يقولون في كنائسهم التي يجتمعون فيها خصيصًا في ذلك اليوم أننا نسجد ونركع لصليبك أيها الرب المخلص، ويقولون أنه اليسوع الذي ولد في هذا اليوم، فنحتفل بميلاد الرب، فلماذا نحتفل به ونحن نلتزم بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؟ إن السماء يرتجف والأرض تهتز، والجبال تتزعزع بما يقول المسيحون ونحن نفرح بذلك، ويهنئ بعضنا بعضًا، ونرسل بطاقة التهنئة بهذا اليوم الذي كان ينبغي لنا أن نتضرع فيه إلى الله ونبكي ونبتهل، ويسبّ إلهنا الذي نعبده ويشتم علنًا وجهارًا، ونحن نشارك الفرحة، ولانشعر بخطورة هذا الأمر، ألم يقل نبينا صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك، وأما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولدًا، وأنا الأحد الصمد، لم ألد ولم أولد و لم يكن لي كفرا أحد، هذا ما جعلنا نبتلى كما ابتلي به الأمم قبلنا.
أليس ذلك يرجع إلى مركب النقص الذي أصبنا به، يقول ابن خلدون في مقدمته: إن النفس أبدًا تعتقد الكمال فيمن غلبها، وانقادت إليه، ولذلك ترى المغلوب يتشبه أبدًا بالغالب، في ملبسه ومركبه، وسلاحه، بل في سائر أحواله، وانظر ذلك في الأبناء مع آبائهم، كيف تجدهم متشبهين بهم دائمًا، وما ذلك إلا لاعتقادهم الكمال في غيرهم”.
ويقول ابن القيم رحمه الله: أما التهنئة بشعائر الكفار المختصة بهم فحرام بالاتفاق، مثل أن نهنئهم بأعيادهم وصومهم ونقول: مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد، فإن سلم قائله من الكفر، هو من المحرمات وذلك أعظم إثمًا عند الله وأشد مقتًا من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام لغيره، لأن ذلك بمثابة أن تهنئه بسجوده لصليبه .
لا شك أن الإسلام يأمرنا بالإحسان إلى الجيران ولو كانوا من اليهود والنصارى، ويمنعنا من أن نوذئهم ونسيئ إليهم ونستهين بهم، وننال من كرامتهم الإنسانية،حتى إذا سرقنا أموالهم تقطع أيدينا، أو نقتلهم نقتل، لكن يحرم علينا أن نشارك في أعيادهم الدينية بالاحتفال والتهنئة بها، فلا بد لنا أن نفرق بين هذا وذاك، ولا نقع في إثم دون أن نشعر به.