إلى منهج جديد لعرض الإسلام وترشيد العمل الإسلامي

الإنسان الطموح بين اليأس والرجاء
26 نوفمبر, 2022
روحانية الرسول صلى الله عليه وسلم
26 نوفمبر, 2022

إلى منهج جديد لعرض الإسلام وترشيد العمل الإسلامي

الأستاذ محمد واضح رشيد الحسني الندوي

كان التعريف بالإسلام ونفض الغبار عنه، وإزالة الشبهات العلمية، وشرح مفاهيمه بالأسلوب الحديث، والعقلية العصرية، وإثبات سداده للعصر من أرجحيات العمل الإسلامي، فانصرف العلماء والكتاب والمفكرون إلى التأليف في الموضوعات العلمية من وجهة النظر الإسلامية، وقد قامت للقيام بهذا العمل أكاديميات ومؤسسات علمية، ودور النشر، واستفاد المهتمون بالفكر الإسلامي بسائر الوسائل الميسرة من كتب وصحف، وإذاعة وتلفزيون، وبدأ الآن استغلال الانترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي لمتابعة ما يذاع ضد الإسلام، وبثّ ما يشرح وجهة النظر الإسلامية إزاء القضايا المستحدثة، وتنقية ما أثير من الغبار عليه في السابق، ونشأت بفضل هذه الجهود العلمية والدعوية يقظةٌ في المسلمين، وفي غير المسلمين معرفة عن الإسلام، وأدى ذلك إلى إقبال عدد كبير من المثقفين إلى الإسلام، حتى في الدول الأوربية، ونشأت حركات إسلامية في مختلف مجالات الحياة.

وبعد ظهور ما يوصف بالعقلية الإسلامية في هذا العصر بفضل جهود الدعاة، وبسبب الحركات الإسلامية التي نشأت لنشر الفكر الإسلامي، ومواجهة الأفكار والنظريات المادية، وما قاسى العالم الإسلامي بتأثير الاشتراكية والرأسمالية والاستعمار والاستشراق والتبشير، لاحظ أعداء الإسلام في أوربا الشرقية والغربية أن الإسلام يبرز كقوة ثالثة بديلة للقوتين العالميتين اللتين لهما نظريات وأفكار مضادة، فتشاور الساسة في أوربا حول خطر انتشار هذه اليقظة بتأثير معرفة الإسلام، ففكروا في تحويل آثار هذه اليقظة إلى اتجاهات تبدو في ظاهرها إسلامية، ولكنها في داخلها تتعارض مع تعاليم الإسلام، وتوقع المسلمين العاملين بالإسلام في صراعات، وساعد على هذا التحول تقليدُ بعض العاملين للمناهج الأوربية والحركات الغربية في تحقيق الأهداف.

وقد اندفع الأعداء إلى مواجهة ما حسبوه الخطر الإسلامي لبقائهم، ورفعوا شعار الخطر الإسلامي وصلاحيته وظهوره كبديل للنظامين العالميين، وكثفوا الدعاية ضد هذا الخطر الموهوم، وهذا الإحساس بكون الإسلام خطراً للعالم والحضارة المعاصرة، يعرف بإسلاموفوبيا، وسخرت لنشر هذا الخوف وسائل الإعلام بسائر صورها وأشكالها، وقوة تسخيرها وتزويرها للأذهان، كما ساهمت المكتبات العلمية ومراكز البحوث الفكرية ومراكز التحقيقات وإعداد الاستراتيجيات في الدول الشرقية والغربية لإقناع العالم بهذا الفكر القائم على نفسية الخوف، وتحركت الحركات الأوربية لإعداد مؤامرات لإحداث الصراع في العالم الإسلامي لتبرر هذا الخوف، ومن هذه الحركات دعمُ المتشددين والمتطرفين في المجالات الإسلامية للقيام بأعمال تبرر هذا الخوف، وإثارة صراعات بين المسلمين أنفسهم، ونشر الأفكار المضادة، ودفعهم إلى استعمال القوة لإثبات أن الإسلام دين الشدة والعنف.

يقضي هذا الواقع من قادة الفكر الإسلامي السديد أن يقدموا الإسلام الحقيقي، ويواجهوا المنحرفين عن منهج الإسلام الصحيح القائم على السيرة النبوية وسير الدعاة والمفكرين الذين دافعوا عن الإسلام في عصور مختلفة، وهذا الردّ يحتاج إلى إعداد كتب، والقيام بالعمل الإسلامي السديد لعرض الإسلام وردِّ الأفكار المنحرفة عن الإسلام.

وقد أعرب كثير ممن اعتنق الإسلام بدراسة الإسلام عن حيرتهم بأنهم بعد دراستهم للإسلام واقتناعهم بنظام عدله، وشرف الإنسان في ظله لما أتيحت له فرصة الاختلاط بالمسلمين في دولة الأغلبية الإسلامية، وجدوا بوناً شاسعاً بين الإسلام المقروء والإسلام الواقع.

وينطبق ذلك على الحركات الإسلامية وقادتها أيضاً، فإن الانصراف إلى العمل الإسلامي والنشاط السياسي أحياناً يؤدي إلى تقصير في إتباع تعاليم الإسلام في مقايسة الأمور، وتكون حياة المناضل في الحركة الإسلامية غير منسجمة مع حكم الشريعة والخلق الإسلامي.

واجه الإسلام في عصر الاستعمار والنهضة العلمية في أوربا تهماً وتشويهاً لتاريخه، فانصرف الدعاة إلى الإسلام إلى عرض الإسلام علمياً ونظرياً، فأغفل في هذا العرض العلمي جانب التطبيق العملي، ولم يصرف الاهتمام إلى العمل مثلما صرف إلى عرض الإسلام علمياً، فكنا ندعو إلى ما نلتزم به نحن في حياتنا اليومية في أعمالنا التي نتمتع بها بحرية، بل نقتدي فيها أعدائنا ونسير معهم خطوة خطوة.

هذه الجهود التي تبذل لتعريف الإسلام لا تستطيع أن تثمر إلا إذا رافقتها جهود لتطبيق الإسلام في الحياة، وقد أشار إلى ذلك الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي رحمه الله تعالى فيقول:

“فأول ما يجب على المسلمين بصفة عامة والعاملين في نطاق الدعوة والصحوة بصفة خاصة، أن يمثلوا السيرة الإسلامية النموذجية المثالية إلى حدّ الإمكان بكل وضوح وجلاء، فإن ذلك من أقوى أسباب احترام هذا الدين والحرص على دراسة مصادره وتعاليمه التي تصبغ المسلمين بهذه الصبغة المميزة، وتسبكهم هذا السبك الجميل، وتحملهم على العناية بدراسة القرآن والسيرة النبوية والشريعة الإسلامية، وقد تخلى المسلمون مع الأسف من زمان عن تمثيل هذه السيرة وتأثروا بالتقاليد والعادات والقيم والمثل التي هي شعار الأكثرية غير المسلمة وبقايا الحضارة المحلية القديمة أو من تأثير الحضارة الغربية المادية الحديثة”.

×