قوم سبأ وكفران النعمة

قيمة الإنسان الحقيقية
6 أكتوبر, 2022
أغلى الثروة في الكون
26 نوفمبر, 2022

قوم سبأ وكفران النعمة

محمد خالد الباندوي الندوي

أخي العزيز!

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ذكر لنا القرآن الكريم كثيرا من قصص الأقوام الغابرة، وأخبرنا عن أحوالها وسلوكها مع الرسالة الإلهية، لكى نكون على بصيرة من أمرنا، ونصلح أحوالنا، فنحذو حذو من سبقنا من الأمم الصالحة التى اعترفت بنعم الله، وأدت ما عليها من حق المنعم، وحمدت على ما أطعمها من جوع، وآمنها من خوف، فاتسعت لديها النعمة وفاض عندها الخير، ولا نتقيل طريق الأقوام الضالة التي كفرت بالخالق، وأعرضت عن الطريق السوي، وبالغت في البطر والأثرة، فأذاقها الله تعالى وبال أمرها، وأراها عاقبة كفرانها، وجعلها عبرة للآخرين، ومثلا لما يأتي بعدها من الأمم.

ومن بين تلك الأقوام التي كفرت بأنعم الله وسارت في دروب المتمردين “دولة سبأ” الراقية المتمدنة في اليمن، وفَّر الله لها كل ما تحتاج إليه من رغد العيش، ومتع الحياة وأسكنها في بلاد مستفيضة الرقعة ذات أودية عريضة وتربة خصيبة، وهداها إلى طريقة السدود التي أقامتها بين الأودية، وجعلها الله مصدر السعادة ومنبع الخير وربط بها مصيرها، فاصطنع أهلها الطرق الهندسية التى سهلت لهم الانتفاع من مياه الأمطار، فأصبحت بلاد اليمن بفضل تلك السدود والحواجز بين الأودية أرضًا خصبة، فيها حقول نضرة، وحدائق ذات بهجة، حتى أخصب لهم العيش، وطابت لهم الحياة، وتقلبوا في أعطاف النعيم.

وقد سماها القرآن ” بلدة طيبة”لكثرة ما احتوت من الخير، وما جمعت من النعم، بلدة كثيرة الأثمار، معتدلة المناخ، لطيفة الهواء، بعيدة عن المؤذيات، يحكي المفسرون عن حدائقها الغنية وجناتها المثمرة وأشجارها المورقة وزروعها النضرة” أن المرأة تسير وسط هذه الحدائق حاملة مكتلها فوق رأسها، فلا تمضي في السير غلوة حتى يكون قد امتلأ المكتل من الثمر المتساقط من شجرة” جمع لهم المنعم الوهاب بين مغفرة ذنوبهم وطيب بلدهم ولم يجمع ذلك لجميع خلقه. “كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ” [سبأ:15].

وكان جديرا بهم -أيها الاخ- أن يشكروا لله نعمته، ويحمدوا على ما رزقهم من العافية، ولكنهم أعرضوا الشكر، وبطروا النعمة، وسئموا الراحة، وطغوا في البلاد، ولم يصبروا على العافية، فأرسل عليهم سيل العرم، فتهدمت السدود التي أقاموها، وتقوضت القصور الشامخة التى شيدوها، وغرق الزرع، وهلك الضرع، وعادت بلاد اليمن كما كانت صحراء مقفرة، لا نبات فيها ولا أشجار، وأصبحت خرائب يصيح فوقها البوم، وتنعق في ذرى أشجارها الغربان، وتفرق أهلها في الدنيا، وتمزقوا في شتى البلاد.

لأنهم كانوا في نعمة سابغة، فلم يحفظوها، وفي ثياب ضافية من الأمن والسعادة فلم يصونوها، فجازاهم الله بكفرهم وعنادهم “وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ” [سبأ:17].

×