الغرب وحقوق الإنسان
23 ديسمبر, 2021كيف ينظر العالم إلى جزيرة العرب وماذا يؤمل منها؟
9 يناير, 2022الفراغ الأكبر والعبقري المطلوب
العلامة الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي
إن الفراغ الهائل الأكبر في العالم الإسلامي هو الحاجة إلى ذلك العبقري العصامى الذي يواجه الحضارة الغربية بشجاعة وإيمان وذكاء، ويشق به طريقاً بين مناهجها ومذاهبها، وبين فضائلها، ورذائلها، طريقاً يتوقع فيها عن التقليد والمحاكاة وعن التطرف والمغالاة، غير خاضع فيها للأشكال والمظاهر، والمفاهيم السطحية، متمسكاً بالحقائق وأسباب القوة، وباللباب دون القشور.
العبقري العصامى الذي يشق له ولبلاده وأمته طريقاً مبتكراً، ويجمع فيها بين الإيمان الذي اختص به الأنبياء والرسل، والدين الذي أكرمه الله وأمته به عن طريق محمد صلى الله عليه وسلم وبين العلم الذي ليس ملك أمة ولا بلد ولا عصر، يأخذ من الدين الدوافع الخيرة التي هي أعظم قوة وأغنى ثروة في خدمة الإنسانية وبناء صرح المدنية، والغايات الصالحة التي لا يوحيها إلا الدين السماوي والتربية الدينية السليمة، ويأخذ من الحضارة العربية الآلات والوسائل القوية الكثيرة التي أنتجتها وتوصلت إليها في سيرها العلمي الطويل وفي جهادها المتواصل الشاق، ولم ينتفع بها الغرب لإفلاسه في هذا الإيمان وفقره في هذه الدوافع الخيرة، وفي هذه الغايات الصالحة، بل أصبحت تستخدم في شقاء الإنسانية وتقويض أركان المدنية أو لغايات تافهة لا قيمة لها.
العبقري العصامى الذي يعامل الحضارة الغربية ـ بعلومها ونظرياتها واكتشافاتها وطاقاتهاـ كمواد خام، يصوغ منها حضارة قوية عصرية مؤسسة على الإيمان والإخلاص والتقوى والرحمة والعدل في جانب، وعلى القوى والإنتاج والرفاهية وحب الابتكار في جانب آخر، ولا يعامل الحضارة الغربية كشيء قد تم تكوينه وتركيبه وختم عليه فلا يؤخذ إلا برمته ولا يقبل إلا على علاته، إنما يأخذها كأجزاء، يختار منها ما يشاء، ويركب منها جهازاً يخضع لغاياته وعقيدته ومبادئه ونظام خلقه وما يكلفه به دينه من منهج خاص للحياة، ونظرة خاصة إلى الدنيا، وسلوك خاص لبني النوع، وسعي خاص للآخرة، وجهاد دائم ) حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ( جهازاً مؤسساً على الإيمان بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه المثل الكامل، والإمام الدائم، والقائد المطاع، والنموذج المتبع والسيد المحبوب، والخضوع لشريعته كدستور للحياة، وأساس للتقنين، والدين الوحيد الذي تنال به سعادة الدنيا والآخرة ولا يقبل الله سواه.
العبقري العصامى الذي يأخذ من علوم الغرب ما تفتقر إليه أمته وبلاده، وما ينفع عملياً وما ليس عليه طابع غرب أو شرق، إنما هي علوم تجريبية تطبيقية، وينفض عن كل ما يأخذه من الغرب غباراً لصق به في القرون المظلمة وفي عصر الثورة على الدين، وفي حالة توتر أعصاب وقلق ونفوس، يأخذ العلوم المفيدة مجردة من روح الإلحاد والعداء للدين ومن النتائج الخاطئة ويطعمها بالإيمان بفاطر الكون ومدبره، ويستنتج منها نتائج أعظم وأوسع وأعمق وأكثر سعادة للإنسانية مما توصل إليه أساتذتها الغربيون.
العبقري العصامى الذي لا ينظر إلى الغرب كإمام وزعيم خالد، وإلى نفسه كمقلد وتلميذ دائم، إنما ينظر إلى الغرب كزميل سبق، وكقرين تفوق في بعض العلوم المادية والمعاشية، فياخذ منه ما فاته من التجارب ويفيض عليه بدوره ما سعد به من تراث النبوة، ويعتقد أنه إن كان في حاجة إلى أن يتعلم من الغرب كثيراً، فالغرب في حاجة إلى أن يتعلم منه كثيراً، وربما كان ما يتعلمه الغرب منه أفضل، مما يتعلمه هو من الغرب، ويحاول أن ينهج ـ بذكائه وجمعه بين حسنات الغرب والشرق وقوى الروحانية والمادية ـ منهجاً جديداً يجدر بالغرب تقليده وتقديره، ويضيف إلى المدارس الفكرية والمناهج الحضارية مدرسة جديدة تستحق كل عناية ودراسة وتقليد واتباع.
هذا هو العبقري العصامى الذي لا يزال مفقوداً في صفوف القادة والزعماء في العالم الإسلامي على كثرتهم وتنوعهم، وهذا هو العملاق حقاً الذي يبدو في جانبه القادة المقلدون المطبقون صغاراً متواضعين كالأقزام.