السعي هو البوابة الحقيقية للأحلام
29 سبتمبر, 2021قصة الحبّ العجيب
5 أكتوبر, 2021أنت نسيج وحدك
(محمد خالد الباندوي الندوي)
أخي العزيز
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كان لى صديق كثير الإعجاب بخطيب مصقع مفوه له سمعة طيبة في عدة مجالات فكان عالما يضرب به المثل، وخطيبا ساحرا يشار إليه بالبنان، يأسر بخطبه الساحرة النفوس، ويأخذ بمجامع القلوب، ويقع كلامه من النفوس موقعا حسنا، فصديقنا تعجبه طلاقته، وتسحره بلاغته ويبهره جمال تعبيره وسحر بيانه، فيحاول التشبه به في منهج خطابته وقوة عارضته، ويسره أن ينجح في تبني قوة بيانه وجزالة تعبيره ويحاكي أسلوبه مثل نطقه بالألفاظ والكلمات ليكون أقرب الناس اليه هديا وسمتا، بل نسخة ثانية منه.
وكنت لا أرضى له بهذه الميوعة وأعاف منه ذلك الذوبان السمج الذي كاد أن تفنى فيه شخصية صديقنا وتنفد خصائصه، لأنني خشيت عليه – وعلى أمثاله – أن يضيع ما حباه فاطر الأكوان من ثروة المواهب الغنية بدون إبداع سخي منه للعالم، وتنقشع سحابة عطائه دون أن يسح على الإنسانية بصيب من إنتاجه. فكدت أتشاءم من هذا الفكر الذي يذيب به الرجل شخصيته، ولا يرى بأسا في أن تمحي هويته، وأتعجب أنه لا يعز عليه فقدها ولا يتفطر قلبه حزنا عليها، وقدكنت أرى ذلك مخالفا لمقاصد الفطرة، ونكرانا لجميل الله، وامتهانا بتكريمه إياه، فكل بني آدم – أيهاالاخ – نسجه ربناالمبدع على بديع المنوال، وخلقه في أحسن التقويم، وجعله على منفرد الطراز، فاختمرت طبيعته بما يوافق لكيانها، وعجنت طينته بما يناسب مبناها، هذا يختلف عن ذاك شكلا وصورة، وذاك لا يماثل هذا طبيعة وذوقا، فاختلاف الصور والأشكال من صنع البديع القادر، لكي يربأ الإنسان بعقله عن عبادة العباقرة في ميدان، ويكرم جبينه عن تقليد الفوارس في مجال دون مجال، ويرتفع بنفسه عن الذوبان السمج، ويتبصر فيما وهبه الخالق من المواهب، وينعم النظر فيما خوله من المحامد وإنه خلق حرا طليقا لكي يسبح في آفاق الإبداع والانتاج، ولو رفع عن عينيه غشاوة التقليد ومزق عن عقله نسيج المحاكاة لوجد وراء ذلك الشخص أشخاصا آخرين عرفوا قيمة اختلاف المواهب فأبوا التقليد، وقدروا خصائصهم فرفضوا المحاكاة، لبوا نداء جبلتهم ففاقوا الأقران وأتوا بالمعجزات.
أنظرإلى هولاء – صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم – تحدروا في التربية عن رجل واحد، وهو النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، وغذاهم دين واحد، وهو الاسلام المجتبى، ولكنهم تباينوا في طبائعهم كما تتباين النبتة والنبتة، وأصلهما واحد، والزهرة والزهرة وكمهما متشابه، لأنهم تربوا على جبلتهم ونموا على فطرتهم كما تنموأنواع النبات في مغارسها،وتتجلى مظاهر اختلاف الطبائع عندهم حين طلب منهم الرسول المشورة في أسرى بدر، فانطلق كل على سجيته، وأدلى فيه بدلوه كما يراه، وأبدي رأيه كما يعتقده، فأشار عليه أبو بكر رضي الله عنه بإطلاق السراح واختيار الصفح والعفو، وأما عمر رضي الله عنه فرأى العقوبة والتعنيف، وقد عقب الرسول على مشورتهما حيث شبه أبا بكر رضي الله عنه بسيدنا إبراهيم عليه السلام في اللين والهوادة إذ قال لقومه” فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم”، وشبه عمر رضي الله عنه بسيدنا نوح عليه السلام حيث قال: ” رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا، إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا”.
على هذا النوع من الشمائل الأبية والسجايا الخلقية تربى الصحابة فكانوا يتحرون الحق فيما يرشدهم إليه فكرهم المستقل، ويهديهم مزاجهم الخاص في معالجة الأمور مستنيرين بنور القرآن الكريم،مهتدين بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم، فسر -أيها الأخ-على منوالهم في بناء شخصيتك المتميزة وكسب المكانة اللائقة بموهبتك فأنت نسيج وحدك لم ينسج على منوالك أحد.