حقيقة تقسيم الهند ومهندسها الوحيد
5 أكتوبر, 2021موقفان مزدوجان
11 نوفمبر, 2021فرض القانون المدني الموحد في البلد لا يحل المشاكل
عبد المتين الندوي
أثار قضيةَ تطبيق القانون المدني الموحد لأول مرة الحكمُ البريطاني أي قبل استقلال الهند. ومنذ ذلك الحين، لم يزل هذا القانون موضع جدل ساخن في الهند. والسبب الرئيسي وراءه، أن الهند بلد ذو شعوب مختلفة، ولها ديانات تخص شعبا دون شعب. وجمال الهند يكمن في هذه التعددية. فكل شعب من الشعوب الهندية يتبع ديانته وتقاليده في أحواله الشخصية. ويسمح لهم بذلك الدستور الهندي أيضاً. مع ذلك، تثار القضية فينة لأخرى.
وأخيراً، أفادت صحيفة “آغ” الأردية في عددها الصادر في 13 من أغسطس عام 2021م أن المحكمة العالية لدهلي قالت: إن تطبيق القانون المدني الموحد في الهند نداءُ العصر. صرّح بذلك قاضي المحكمة العالية بربتها أم سنغ خلال إصدار القرار في قضيةٍ للطلاق. رفع دعواها رجل هندوسي طالب المحكمة فيها بحق الطلاق وفق قانون الزواج الهندوسي، بينما قالت زوجته إنها تنتمي إلى قبيلة مينا، وليس للمحكمة العالية الحق أن تصدر قراراً يوافق قانون الزواج الهندوسي. فأحال القاضي هذه القضية إلى محكمة الأسرة قائلاً: إن هند اليوم ترتفع عن الديانات والطبقات والتقاليد. وحل القضايا من هذا النوع لا يمكن إلا بتطبيق القانون المدني الموحد في الهند. وكذلك لايمكن ترك الناس لمعالجة قضاياهم مما يتعلق بالزواج والطلاق استناداً إلى قانون الأحوال الشخصية لهم.
تتذكر المحكمة في كل مناسبة من هذا النوع مادة 44 من الدستور الهندي التي تنص على أن الولاية يحق لها تطبيق القانون المدني الموحد على جميع سكانها في وقت صحيح وملائم. وتنسى المحكمة ما قام به الدكتور بهيم راؤ أمبيدكر من مخالفة تلك المادة قائلاً: إنه لاينبغي للولاية أن تسن قانونا يأباه الشعب.
ومن الواقع أن تطبيق القانون المدني الموحد في الهند خارج عن حد الامكان. وبالإضافة إلى ذلك، هناك بنود في الدستور الهندي لم تستطع الحكومة تنفيذها بعد. وفي عام 1985م، أثير هذا الموضوع في قضية “شاه بانو”، وعندئذ نجح قادة هيئة قانون الأحوال الشخصية الإسلامية لعموم الهند في إقناع الحكومة بأن القانون المدني الموحد يشكل خطراً لأمن البلاد وأن تطبيقه سوف يشجع الانفصالية. وذلك لأن الهند إنما هي تعرف بالديانات المختلفة والثقافات المتنوعة والتقاليد والطقوس العديدة. كأنها حديقة غناءة تتمتع بأزهار مختلفة تفوح منها رائحات متنوعة. بناء على ذلك، إذا سعت الحكومة أن تطبق هذا القانون نشبت الخلافات الطائفية فيما بين الهندوس. لأن الهندوس من شمال الهند يختلفون في عادة زواجهم عن الهندوس في جنوب الهند. والواضح أن تطبيق هذا القانون يوافق بعضهم ويخالف الآخر. وكذلك إن الهندوس على ثلاث طرق في تطبيق المراسم الأخيرة للميت. فإن منهم من يدفن الموتي ومنهم من يحرقهم ومنهم من يلقيهم في البحر. أما المسلمون فإنهم يكرمون موتاهم فيغسلونهم ثم يكفنونهم ويدفنونهم في القبور على طريقة خاصة. وكذا الحال في طرق الزواج، فإن كل شعب من شعوب الهند لديه طريقته وتقاليده في الزواج.
وأما ما يثار من الدعاية أن تطبيق القانون المدني الموحد سوف يقضي على جميع الخلافات الطائفية والنزاعات القبلية فليس ذلك إلا ادعاء فارغا، وحلماً لايتحقق في أي حال. فإن تاريخ الهند يوحي بأن أتباع ديانة واحدة نشبت الحروب الدامية بينهم كما حدث في حرب مهابهارتا التي اندلعت بين كورو وباندو، وكذلك الحروب التي اندلعت في عهد المغول لم تكن حرب ديانة وتقاليد، بل إنها كانت حرب سلطة وسيادة. وكذلك الحروب التي تتأجج نارها الآن في مختلف أقطار العالم أكثرها بين أتباع ديانة واحدة.
فعلى الحكومة أن لا تلقي لما تقول المحكمة بالاً في خصوص تطبيق القانون المدني الموحد، وتسير على درب الحكومات قبلها بهذا الصدد. فإن فيه خيراً لهذه البلاد.