الأستاذ مسعود عالم الندوي: حياته وآثاره
7 مارس, 2021شعائر الله تعالى وتعظيمها (4)
4 أبريل, 2021الصامدون في وجه الاستعمار (1)
لقد قيَّض الله للذب عن حوضة الإسلام وردّ كيد المعتدين في كل عصر حسب الظروف، وطبيعة الاعتداء، العلماء الذين قاموا بالدعوة والدفاع عن الإسلام بالقلم واللسان والسنان، واجه العلماء خطر الفلسفة اليونانية والزندقة في العصر العباسي الأول، وواجهوا الحركات الباطنية، وتصدَّوا لإبطالها، والقضاء عليها، وتحملوا الشدائد في سبيلها في القرون المتوسطة للتاريخ الإسلامي، ثم واجهوا غزو التتر عسكرياً ودعوياً في القرن السابع الهجري، وواجهوا الحملات الصليبية المتتالية التي حشدت أوربا لها جميع قواتها المحاربة من القرن الحادي عشر للميلاد إلى القرن الرابع عشر، وكسر المسلمون شوكة أوربا، وأحبطوا كل مؤامرة لها لغزو العالم الإسلامي، وفشلت هذه الحروب، فغيرت أوربا سياستها، ولجأت إلى سلاح العلم وغسل الأذهان، وشنت حملة علمية كان جنودها المستشرقون، والمبشرون، والناشئون في مدارس أوربا من أبناء المسلمين الذين نقلوا أفكار علماء الغرب وروّجوها في العالم الإسلامي بالإضافة إلى الغزو العسكري للإسلام والمسلمين في القرن التاسع عشر للميلاد، فواجه العلماء تحدياً علمياً وثقافياً وعقائدياً، وعسكرياً في وقت واحد، تقدم العلماء لمواجهة هذه التحديات في كل بلد إسلامي، وأثبتوا معدنهم، فلم ينخذلوا مهما كان نوع الغزو، وكان دور الهند في هذا الصمود للغزو الأوربي بسائر أشكاله دوراً رائداً قيادياً.
كان من التحديات الأولى خطر التنصير عندما تدفقت أفواج دعاة النصرانية، وانتشر المبشرون في كل بلد وقرية لنشر المسيحية، وكان منهجهم سلبياً بحيث أنهم كانوا يركزون على الاعتداء على الإسلام، وإثارة الشكوك والشبهات في تاريخه، والسيرة النبوية، وسداد تعاليم الإسلام لهذا العصر، فكانوا يتهمون الإسلام بالهمجية والقسوة، ويصفون المسيحية كأنها دين الحب، والمغفرة، والكفارة، فدرس علماء الهند النصرانية، وألفوا كتباً فيها بعد دراسة عميقة، كان من بين هؤلاء العلماء بعد حكيم الإسلام الشيخ ولي الله الدهلوي. العلامة السيد آل حسن الموهاني (م 1287هـ)، والشيخ عنايت رسول الجرياكوتي (م1320هـ)، والشيخ رحمت الله الكيرانوي (م 1818ـ 1891هـ) الذي وهب حياته للدفاع عن الإسلام، ودحض الشبهات حوله، وواجه القساوسة والمبشرين، وقد هيأه الله تعالى ليقود هذه المعركة الحاسمة التي كان يخوضها الشعب المسلم الهندي، والذي واجه الدعوة المسيحية وجهاً لوجه قبل أن يواجهها شعب آخر في قطر إسلامي أو عربي، فكان يتوقف عليه مصير الشعوب الإسلامية والعربية كلها، وحدث أن الشيخ محمد وزير خان الأكبرآبادي سافر إلى “لندن” سنة 1832م ليدرس الطب الجديد، فعني بدراسة المسيحية من مصادرها الأصلية واقتناء كتبها، واستصحب هذه المكتبة الثمينة إلى الهند، فكان عضد الشيخ الأيمن في هذا الجهاد العلمي.
وألف الشيخ رحمت الله كتابه ” إظهار الحق” الذي نال شهرة عالمية، وترجم إلى مختلف اللغات العالمية، وناظر القس فندر وهزمه هزيمة نكراء، كان لها وقع عظيم، ولا يزال كتابه المصدر الرئيس لفهم المسيحية الحقيقية وانحرافاتها في مختلف العصور.
الاستعمار:
كان اشتراك العلماء الهنود في الكفاح المسلح ضد الإنجليز أيضاً اشتراكاً عملياً، فأصيبوا بنقمة الإنجليز، وواجهوا التشريد والمطاردة، وكان في مقدمة هؤلاء المجاهدين ضد الإنكليز خلفاء ومسترشدو الإمام أحمد بن عرفان الشهيد.
وقد صرح السير وليم هنتر أن جمرات الجهاد التي أشعلها السيد أحمد الشهيد (م 1246هـ) هي التي ألهبت نار الثورة، ومن العلماء الذين قادوا الجهاد ضد الإنجليز الشيخ أحمد الله، والشيخ لياقت علي، ويقول هنتر: كان مولوي أحمد الله شاه أكبر أعداء الإنجليز في الهند، وقد هزم قوات الإنجليز مرتين، وقد كان للشيخ محمد قاسم النانوتوي،والحافظ ضامن علي الشهيد، وغيرهما من العلماء مواقف باسلة.
وفي سنة 1912م نشبت حرب البلقان، وانطلقت موجة عنيفة من السخط العام على الحكومات الأوربية، وزعيمتها الحكومة البريطانية، وانفجر الوعي السياسي الإسلامي من جديد، بعد أن كانت الدول الأوربية قد أخمدت الحركة الإسلامية باستخدام أقسى وسائل القمع من الإعدام والنفي، والتعذيب، والإذلال لعلماء المسلمين.
قادت الهند في حرب البلقان حركة مكافحة الاستعمار، فثارت الحماسة الإسلامية، وصدرت صحيفة “الهلال” التي كان يتولى رئاسة تحريرها مولانا أبو الكلام آزاد، وكانت هذه الصحيفة تنشر مقالات تكتب بقلم من نار، وتنتقد السياسة الأوربية الصليبية في قوة وبلاغة لا يعرف لها نظير، وصدرت مجلة” كومريد” Comrade الإنجليزية التي كان ينشئها الأستاذ محمد علي جوهر ينتقد فيها السياسة البريطانية في أسلوب أدبي ساخر، وجريدة” زميندار” للشيخ ظفر علي خان، فالتهبت نار الثورة الفكرية ضد الاستعمار والحضارة الغربية.
ولم تكن هذه الحرب القلمية ضد الاستعمار العسكري فحسب بل كانت ضد الحضارة الغربية المادية، والفكر الغربي الإلحادي، والثقافة الغربية المغايرة للأخلاق والقيم العليا، وأدب الحياة، وبفضل هذه الجهود التي بذلها علماء الهند لم تتعرض الهند للغزو الثقافي، كما تعرضت دول المسلمين الأخرى.
كان رئيس أساتذة دار العلوم ديوبند مولانا محمود حسن الملقب بشيخ الهند، من كبار المناضلين ضد الحكم الإنجليزي، إنه أقام اتصالات بحكومة أفغانستان، والدولة العثمانية، لكنه اعتقل ونفي مع الشيخ حسين أحمد المدني، ومولانا عزيز كل إلى جزيرة “مالطا” في 1917م، كذلك كان الشيخ عبد الباري الفرنجي محلي من كبار قادة حركة التحرير.(يتبع)
محمد واضح رشيد الحسني الندوي رحمه الله تعالى