نظرة على أعلام القرن العشرين في الهند وإنتاجاتهم الأدبية باللغة العربية (2)
4 مارس, 2021الأستاذ مسعود عالم الندوي: حياته وآثاره
7 مارس, 2021ليلة مذبحة: عرض وتحليل (2)
الملابسات والإيحاءات:
هذه المذبحة تمثيل صادق لما تتعامل به أوروبا مع من يخالفها فى الرأي والعقيدة، نتأمل فيها ونحاول أن نستلهم من ملابساتها بعض الإيحاءات والإشارات:
1-كان الخوف والحذر والشعوربالتقلص والانهزامية هو الدافع على هذه المجزرة، لجأ الكاثوليك للتخلص من الأزمة إلى “التطرف” الذي تحول إلى “الإبادة ” في أبشع صورها، والتطرف في العمل والسلوك بكلا فرعيه من “عدم التسامح” و”الازدواجية” ناتج عن التطرف في الرأي والعقيدة، وللتركيبة العقلية والسياسية والحضارية الأوروبية نصيب كبير من التطرف، ولا فرق في ذلك بين الملاحدة ورجال الدين، وبين اليمينيين واليساريين، وبين الديموقراطيين والدكتاتوريين، وبين الليبراليين والراداكاليين الفاشيين، تشهد بذلك المواقف وأساليب التعامل، فاضطهاد الكاثوليك للبروتستانت في عصور غلبتهم بإسم “إزالة الهرطقة”، واعتداء البروتستانت على الكاثوليك في مناطق نفوذهم بإسم”الإصلاح”، واستبداد فرنسا الإقطاعية والبرجوازية قبل الثورة، وقساوة فرنسا الديموقراطية والليبرالية بعد الثورة أعظم دليل علي النفسية التى انطوى عليها ضمير أوروبا، وتمخضت عنها سياستها، وتركبت منها حضارتها(1).
ليست أزمة أوروبا ومشكلاتها في المسلمين، بل في كفاءة الإسلام المدهشة للظهور والغلبة والانتشار، فالإسلام رغم تكالب الأعداء عليه وتألبهم هو ثانى دين في العالم من حيث الانتشار، وأول دين ينتشر بوتيرة أسرع من وتيرة نمو سكان العالم(2)،وذاك الذي يقض مضجعها، ويثير الرعب والهلع والتحذير، ويحملها على الشعور بمركب النقص، والتقلص والإنهزامية، فيدفعها نحو النيل من قداسة الإسلام ورموزه بإسم “الحرية”، ولايمنعها من إعادة ما ارتكبته فرنسا ليلة المذبحة إذا واتت الظروف، وانتفعت الموانع، وانطلت على الناس الحيل.
2-التعمية والتمويه والإخفاء بهدف التضليل والإيقاع بالخصوم ثانى ما يكسب الانتباه في هذه المذبحة، كان الفخ قد صنع بإتقان وإحكام دفع البعض إلى الوهم بالعفوية والصدفة في حدوث المذبحة، وإلى إنكار المؤامرة والتخطيط المسبق(3)، والحق أن لأوروبا إبداعا غريبا وعبقرية فذة في سياسة التمويه والتعمية، وفي فن المعاضدة والمعاندة، والكشر عن حب وبغض،وفي استخدام شعارات خلابة ومسميات بريئة، واستغلال مصطلحات ومناسبات دينية لقضاء مآربها العدوانية والحيوانية.
3-وثالث ما تشير إليه القصة هو سيكولوجية أوروبا المسيحية، يكتب غوستاف لوبون: ” لم يوجه إلى حادثة سان بارتلمي أيام وقوعها شئ من الانتقاد في أوروبة الكاثوليكية، وقد أوجبت حماسة لا توصف، فكاد فليب الثاني يصبح مجنونا لشدة فرحه عندما بلغه وقوعها، وتساقطت أنواع التهنئة على ملك فرنسة أكثر مما كانت تتساقط عليه لوكان نصرا عزيزا في ساحة الحرب، ولم يبد السرور على أحد كما بدا على البابا غريغورا الثالث عشر، فقد أمر بضرب أوسمة خاصة تخليدا لذكراها(وزعت الأوسمة على كثير من الوجوه والأكابر، وإلى الآن يوجد ثلاثة منها في المكتبة الوطنية، أحدها من ذهب، والثاني من فضة والثالث من نحاس،وقد رسمت على هذه الأوسمة صورة غريغورا الثالث عشر وبجانبه ملك يضرب بالسيف أعناق الخوارج، ثم هذه الكلمة: “قتل الخوارج”) وبإيقاد نيران الفرح وبإطلاق المدافع وبإقامة قداديس كثيرة، ويجعل الرسام فازاري يصور على جدران الفاتيكان مناظرها، ثم أرسل إلى ملك فرنسة سفيرا ليهنئه بعمله المجيد، فهذه الأنباء التاريخية تدلنا على نفسية المؤمنين في كل دور”(4).
وإليكم نص الرسالة التي كتبها البابا تهنئة إلى ملك فرنسا: “نشارككم البهجة القيمة، لأنه بمعونة الرب خلصتم العالم من هؤلاء المهرطقين الحقراء”(5).
الهوامش:
(1) قصة الحضارة/المجلد الرابع عشر/ ول ديورانت. *ظاهرة التطرف الديني في بنى إسرائيل/عبد الراضي محمد عبد المحسن/مجلة الفيصل، العدد: (134) ص: 87.
(2) قامت في غضون ثلاثة عقود سابقة عدة مراكز أبحاث ومواقع ومجلات عالمية أوروبية متخصصة في الديموغرافية بإحصاءات ديموغرافية، ونشرت تقاريرها، منها”مركز بيو للأبحاث الأمريكي” و”موقع الغارديان الإلكتروني” و”صحيفة وول ستريت جورنال” و”موقع جريدة تلغراف البريطانية” وغيرها، اتفقت هذه المصادر على قوة الإسلام الخارقة للتأثير والانتشار، وعلى اضمحلال المسيحية وتضاءلها، وعلى أن الإسلام سيصبح أكثر الديانات انتشارا في العالم في العقود النهائية من هذا القرن، هذه التقارير حقائق أم مجرد هواجس لترويج أسطورة ” أسلمة أوروبا” وخرافة “تهديد المسلمين للهوية المسيحية” ؟ اختلف في ذلك المحللون، إلا أن غزارة المصادر وكثرة الروايات وذعرأوروبا وطيشها وتهورها يدل على أن للخبر أصلا ولو كان ضعيفا.
(3) العنوان: ليلة بارثلوميو الدموية،كوابيس ليلة بارثلوميو. موقع-dprvrn،ru.
(4) روح الثورات والثورة الفرنسية/غوستاف لوبون/ص:26، (1934).
(5) معجم الفردوس (الجزء الأول) مهند عبد الرزاق الفلوجي،ص:229، العبيكان.
سلمان نسيم الندوي