فرنسا دولة الحضارة أو دولة الجهالة؟
12 نوفمبر, 2020الحاجة إلى إيجاد الوعي وتنمية الشعور
4 مارس, 2021من أرجحيات العمل الإسلامي المعاصر
العصر المعاصر هو عصر العلم والإعلام، فبالتقدُّم والازدهار في مجال العلم والإعلام تقدَّمت الأمم والشعوب، وبالتغلُّب على وسائل الإعلام سيطرت القوى العالمية على مصائر الأمم والبلدان، تلعب بها ألاعيب،وتوجِّهها إلى الوجهة المقصودة.
كانت أوربا تائهة وغارقة في الظلام والجهالة قبل الحروب الصليبية وخلالها، وعندما غيرت طريقها بعد فشلها في هذه الحروب، واختارت سبيل العلم، وأحرزت التقدم والازدهار في مجال العلم، فاقت الأمم الأخرى في العلم والقوة والسياسة والمعيشة، وأخيراً تمَّت لها السيطرة على الأمم والشعوب بالتقدُّم والتفوُّق في مجال الصحافة والإعلام، فخضع العالم كله لسيطرتها، وكذلك فعل اليهود،كانوا مشردين مطرودين،وعندما اختاروا الإعلام، وسيطروا على المؤسسات الإعلامية الكبرى بجانب هيمنتها على الاقتصاد والسياسة،حصلت لهم القوة والغلبة في العالم حتى أصبحت القوى العالمية الكبرى خاضعة لأمرهم .
لقد حصلت للمسلمين القوة والغلبة عندما كانوا متفوقين في العلم والسياسة و متقدمين في المعيشة والاقتصاد،مع تصلُّبهم في الإيمان والأخلاق، وكانت الأمم والشعوب خاضعة لهم، وفتحوا مناطق واسعة، وحكموا قرونًا طويلة،ولكن عندما انحطُّوا في هذا المجال وأصيبوا بالغفلة والترهُّل، تعرَّضوا للذل والمهانة، فلم تعد كلمتهم مسموعة، وأمرهم مطاعًا، وحكمهم منفذًا،حتى حرموا من أبسط حقوقهم المشروعة في بعض المناطق، ووقعوا عرضة للتشتُّت والتمزُّق والتقاتل والتحارب، كما تشهده ساحات العالم العربي والإسلامي اليوم، ولمثل هذا يذوب القلب من كمد.
لقد أصبحت وسائل الإعلام اليوم على درجة عالية من التأثير في تغيير الذهن والرأي العام من خلال تقديم الأخبار والتقارير الموجَّهة من قِبَل المؤسسات العالمية والمنظمات الدولية،ودور الإعلام،وتمثل هذا الواقع ظاهرةُ “الإسلاموفوبيا” التي سببُها الرئيسي وسائل الإعلام التي تشوه صورة الإسلام، وتظهره كدين عنف وإرهاب، وتقوم بدعاية أن الإسلام يضيق الحريات التي تنادي بها المواثيق الدولية، وتعرض الإسلام وأتباعه كخطر لأمن العالم، كما يلاحظ في مختلف دول العالم وفيها الهند،حتى أن بعض الدول العربية وقعت فريسة لهذه الدعاية،فتخبط خبط عشواء،وهو ما يؤدي إلى الخوف من كل من يدعو لتطبيق شريعة الإسلام والالتزام بمبادئه، فأصبح الذعر من الإسلام مرضاً اجتماعياً خطيراً يؤدي لمعاداة الإسلام والمسلمين، وبات الإعلام بوسائله المختلفة يدعم هذا الخوف من الإسلام من خلال التغطية المضللة، وينشر تقارير مزورة وأنباء مخيفة، ويثير الكراهية والعداء للمسلمين في العالم .
ومن الوسائل التي تستخدم لتغيير الاتجاه وتشويه الذهن عن الإسلام،والتنفير عن أتباعه،عرض حكايات ووقائع اعتداء حدثت في فترات من التاريخ، وتستخدم في هذا العمل الإعلامي المضلل كفاءات االفبركة والاختلاق،ويقوم رجال من أصحاب القدرات الفائقة في التزييف والتلفيق بإعداد تقارير مرعبة ومشوشة، تنفر الناس من المسلمين.
وقد لعبت وسائل الإعلام دورًا كبيرًا في تفكيك الخلافة العثمانية التي كانت تخشى منها أوربا،وكذلك استخدم الاشتراكيون وسائل الإعلام لفرض النظام الاشتراكي على العالم،وبعد انفكاك الاتحاد السوفيتي وانسحابه من القيادة العالمية، استغل الرأسماليون الإعلام لفرض السيطرة الرأسمالية على العالم،وإن الإعلام العالمي الذي حوَّل العالم كله إلى محاربة الإسلام، يركز الآن على تضخيم ما يحدث في أوساط المسلمين من وقائع يغلب عليها العنف أو المقاومة، مع أن أحداث القتل والاعتداء التي توجد في سائر الأمم والبلدان،هي تقع بكثرة في أوربا نفسها.
و يقف المسلمون في قفص الاتهام لدور الإعلام العالمي في عرض الإسلام كخطر للأمن العالمي، فبتأثير وسائل الإعلام المضللة لا ينال المسلمون حقوقهم المشروعة حتى في الهند التي تجري فيها المحاولات المدروسة لتهميش المسلمين وإقصائهم من مواقع النفوذ والتأثير،وللمؤسسات الإعلامية التي توجهها العناصر المغرضة، دور فعّال في عرض التصور المعادي للإسلام والمسلمين،وهذه العناصر قوية ومسيطرة على وسائل الإعلام في كل مكان.
فإن وسائل الإعلام بأنواعه المتنوعة تؤدي دوراً هاماً في تكوين الرأي، فتحبِّب إلى النفوس مَن يجدر بالكراهة، وتنفر عمَّن يجدر بالمحبة والإكرام، وأحدثُ مثال لذلك موقف الإعلام الوطني الهندي من احتجاجات ومظاهرات المزارعين ضد القوانين الزراعية، فتصفهم وسائل الإعلام الموالية للحكومة بالخروج على البلد، وهم يطالبون بحقوقهم المشروعة.
يتطلب الوضع الذي يعيشه المسلمون في مختلف أنحاء العالم أن يهتموا اهتماماً بالغاً بالعلم والإعلام، وذلك يقتضي إنشاء وسائل إعلامية مؤثرة مزودة بأحدث التقنيات والتكنولوجيا لتصحيح الصورة المزورة المشوهة عن الإسلام والمسلمين، وربط ذلك بالتطورات العلمية الحديثة التي تثبت صدق الرسالة الإسلامية وصلاحية الشريعة الإسلامية للتطبيق والمسايرة في المجتمعات المختلفة، كما لابد من نشر الفضائل الإسلامية التي تميِّز الإسلام وتدعو إلى العدل والإحسان والرفق واللين واليسر، وهذا العمل لا يتحقق إلا بإعداد كوادر علمية وإعلامية، تقوم بالدفاع عن الإسلام، ومواجهة الحملات الموجَّهة إليه من جهات دولية وقوى عالمية،وتقوم برفع مستوى المسلمين تعليميًا واقتصاديًا وسياسيًا، واستعادة مكانتهم في مجال القيادة العلمية والسياسية، لأن المسلمين هم أمة الدعوة والهداية والوصاية على البشرية: ” كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ “(آل عمران:110)
وتقتضي حكمة الدعوة وطبيعة الدين الإسلامي اختيار طرق ملائمة للعصر، وهناك أمثلة ونماذج في التاريخ الإسلامي لاختيار الدعاة والمجددين والمصلحين طرقاً ملائمة لعصورهم وبيئاتهم، وهذا العصر، وهو عصر العلم والإعلام، يتطلب منا نحن المسلمين أن نقوم بالتخطيط والتنسيق للعمل النهضوي، ونبذل جهوداً متضافرة لإيجاد الوعي التعليمي، ونشر العلم في الأوساط المسلمة، والتقدم في مجال الإعلام، بالإضافة إلى المساهمة الحكيمة في السياسة، وإحراز القوة الاقتصادية،يقول الأستاذ محمد واضح رشيد الحسني الندوي -رحمه الله- مشيرًا إلى أهمية الإعلام:.
” فإذا كان التعليم في حاجة إلى فلسفة جديدة، ومنهج جديد، لتربية الجيل المسلم، فإن الإعلام بسائر وسائله أحق بأن توضع له فلسفة خاصة في ضوء التصور الإسلامي، وتولي به أهمية أساسية، ولا يتحقق ذلك إلا بتربية جيل من الصحفيين، والمحللين، والفنانين مزودين بروح التعاليم الإسلامية، ومنسجمين مع التصور الإسلامي عن الإنسان والحياة.
يحتاج المجتمع الإسلامي المعاصر إلى إعلام لا يكون حراً مطلقاً يعرض فيه العارضون كل ما تسوِّل لهم نفوسهم من خير وشر، ولا يكون كذلك مقيداً كإعلام الدول الاشتراكية التي تمارس سياسة التعتيم بالنسبة للعالم الخارجي، وعرض المجتمع عرضاً غير واقعي، بل يكون إيجابياً بناءاً، صالحاً ومصلحاً، مؤمناً بالمبادئ، وشاعراً بالمسئولية؛ يقوم بالنقد البناء، ويستجيب لرغبات القراء بصورة لا تتعارض مع التصور الإسلامي لحياة الفرد والمجتمع، ويكون إعلاما ذا مسئولية، وذا رسالة ومبادئ، ولا يتحقق ذلك إلا إذا كانت وكالات إسلامية للأنباء مستقلة متطورة تغذي هذه الوسائل، وتمارس عملها بالشعور بالمسئولية والاحتراس في التقاط الأخبار ورفضها وإعدادها.
إن هذا القطاع من العمل الإسلامي يحتاج إلى دعم الحكومات، أو المنظمات التي تملك وسائل مادية، ومن أرجحيات العمل في النظم السياسية التي قامت في العالم الإسلامي أن توجه العناية إلى هذا القطاع”.
محمد وثيق الندوي (مدير التحرير)